إنّ العذاب الممارس من قبل الطواغيت متنوع ومتعدد، وليست السجون سوى لون من ألوان العذاب، فمن لم يردعه هذا اللون من العذاب يردعه لون آخر. ومن العجيب أن بعض الطواغيت يعدلون عن القتل والإعدام والشنق إلى السجن بعدما رأوا حب المؤمنين إلى الشهادة!وما قد تتركه حالات الإعدام في نفوس الجماهير من تقدير عظيم للشهداء، لأنّ التضحية بالنّفس أقصى ما يُقدّمه الإنسان في سبيل عقيدته وإيمانه، فهو بشهادته يحوز على إعجاب النّاس وتبقى كلماته وأهدافه التي مات عليها ومن أجلها حيّة في قلوب النّاس، فالشهادة حياة. من هنا كان السجن بدلا من الشنق والقتل ليست رأفة في القلوب السوداء، وإنّما هو إجراء آخر لإيقاع أشدّ العذاب على من خالفهم، ولتقليل الأضرار الناجمة عن أحكام الإعدام.
السجن وسيلة لا غنى للطواغيت عنها، فالحبس والقيد والوثاق أدوات الردّ التي يرفعونها أمام الحق وأتباعه، يحاولون بذلك عزله عن محيطه الإجتماعي الذي يُؤثر فيه للحد من خطر انخراطه بين النّاس، كما حاول كفّار مكة أن يُثبتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى:’’وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك‘‘(١). أي ليحبسوك(٢) حتى يشلّون حركته.
والسجن حالة قهرية لا يموت فيها السجين فيستريح من عناء لا ينقطع، ولا يحيا لأنّ حياة السجن ليست حياة معتبرة، فالمقصود هو تحطيم الحالة النفسية للسجين وإذلالها حت تخنع وتخضع، ولكي يعيد النّظر فيما من أجله سُجن، أو حتى يُعلن توبته وبراءته ممّا فعل!!أو ربّما يُطالَبُ السجين برفع استرحام كشرط لإخراجه من السجن!وتلك والله عقوبة أشد من القتل.

(١) الأنفال: ٣٠].
(٢) التبيان في تفسير غريب القرآن(١/٢١٨).


الصفحة التالية
Icon