وبمثل هذا النوع من العذاب هدّد فرعونُ موسى عليه السلام، وذلك كوسيلة لتكميم الأفواه،(فالطغيان لا يخشى شيئا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية)(١).
لقد كانت السجون في عهد فرعون البائس معهودة ومعروفة منتشرة، يقول تعالى حكاية قول فرعون لموسى:’’قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنّك من المسجونين‘‘(٢)،( أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنّه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجننك)(٣)،(وروي أن سجنه كان أشد من القتل، وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه من سجنه حتى يموت فكان مخوفا)(٤). فلمّا أفلس فرعون في باب الحجة والبرهان عدل إلى الإرهاب والقمع، وتلك علامة ضعف كما أنّها علامة استكبار عن الحق.
ولكن ورغم صعوبة السجن وقهره، وآلام العذاب بأنواعه، ورهبة الموت والقتل، فإنّ ذلك لايمنع الدعاة إلى الله من الإستمرار في حمل دعوتهم، فما عليهم إلاّ أن يتوجهوا إلى من بيده مقاليد السماوات والأرض، فرحمته وسعت كلّ شيء، فلا أحد في هذا الوجود يستطيع أن يمسك رحمة الله،(بل مشيئته هي السبب الكامل فمع وجودها لامانع ومع عدمها لا مقتضى)(٥)، يقول تعالى:’’ما يفتح الله للنّاس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم‘‘(٦). فهو سبحانه الغالب على أمره ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.
المبحث الثاني
استجهال المجتمع

(١) في ظلال القرآن(٦/٢٠٣).
(٢) الشعراء: ٢٩].
(٣) تفسير البيضاوي(٤/٢٣٦). وانظر: تفسير أبي السعود(٦/٢٤٠)وتفسير النسفي(٣/١٨٣)وروح المعاني(١٩/٧٣).
(٤) تفسير القرطبي(١٣/٩٩).
(٥) ابن تيمية: أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم الحراني،(٦٦١-٧٢٨هـ)، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير، ١٧جزء، تحقيق: عبد الرحمن محمد قاسم النجدي، مكتبة ابن تيمية.(١٤/١٧)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(فتاوى ابن تيمية في التفسير).
(٦) فاطر: ٢].


الصفحة التالية
Icon