إنّ تجهيل المجتمع من وسائل تثبيت النّظام الذي يريده فرعون؛فشخصية فرعون مرتبطة بالنّظام المطبق في حياة النّاس وجودا وعدما. فمن هنا وعلى أساس هذا الفهم كانت سياسة التجهيل، فاستخفاف الطغاة للجماهير سياسة معلومة متعبة،(فهم يعزلون الجماهير أولا عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها، ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة. ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم)(١)، وكلما طال الزمن على هذه الحال أصبح المرض مزمنا والتخلص منه عسيرا، ممّا يتطلب المزيد من الجهد والاجتهاد للتخلص من الآثار التي أوجدها فرعون وأمثاله في حياة النّاس، وهي لا شك آثار تدميرية.
ولذلك لم تغب هذه الوسيلة عن عقل فرعون ونهجه، فهو يستدعي كل ما به يثبت نظامه ويقوي حكمه، ودليل ذلك قوله تعالى:’’فاستخف(٢)قومه فأطاعوه‘‘(٣). والمعنى فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم. وقيل: استخف قومه أي وجدهم خفاف العقول. وهذا لا يدلّ على أنّه يجب أن يطيعوه، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه. وقيل: استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، أي حملهم على خفة الجهل والسفه بقوله وكيده وغروره فأطاعوه فيما أمرهم به وقبلوا قوله وكذبوا موسى(٤). ولم تكن خفة أحلامهم وقلة عقولهم إلا نتيجة لما امتلأت به من خرافات وعقائد باطلة، ولما تعرّضت له من العزل عمّا من شأنه أن ينوّر لها الطريق ويجلي لها الحقائق.

(١) في ظلال القرآن(٧/٣٤٠).
(٢) فاستخف قومه فأطاعوه: أي حملهم على الخفة والجهل يقال استخفه عن رأيه واستفزه عن رأيه إذا حمله على الجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب واستخف به أهانه)لسان العرب، مادة: خفف(٩/٨٠).
(٣) الزخرف: ٥٤].
(٤) انظر: تفسير القرطبي(١٦/١٠١)وفتح القدير(٤/٥٦٠)وتفسير أبي السعود(٨/٥٠)وتفسير البيضاوي(٥/١٤٩)وروح المعاني(٢٥/٩١).


الصفحة التالية
Icon