لقد استعمل فرعون لتجهيل النّاس عدة وسائل، تدور في مجملها حول محورين:
المحور الأول: منع حرية الرأي وتكميم الأفواه، وذلك بنشر الخوف بين النّاس بالقتل والسجن والتعذيب، كما سبق وبيّنا، حتى لا ينتشر النّور والهدى بين النّاس، ودلّ على ذلك شواهد كثيرة، منها قوله تعالى:’’وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة‘‘(١). حيث خاف بنو إسرائيل على أنفسهم(فأمروا أن يصلوا فى بيوتهم فى خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المسلمون على ذلك فى أول الإسلام بمكة)(٢)، فنشر الخوف بين النّاس أمر مقصود حتى لا يظهر للإيمان في واقع الحياة أيّ مظهر، فيؤثر في نفوس النّاس فيجذبهم إليه، وهذا مالا يسمح به فرعون.
وبسبب هذا الواقع المرّ انقسم النّاس في ظلال شخصية فرعون القاتمة إلى ممتنع عن الإيمان خوفا وجزعا ممّا قد يلحق به لو كُشف أمره للطغمة الحاكمة. وشاهد ذلك ودليله ما حدث للسحرة بمجرد إعلان إيمانهم. وقسم آخر وهو قليل آمن على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، فهم على حذر شديد لمجرد الإيمان الذي يكتمونه. وفي المحصلة لا نجد صنفا من النّاس يَدعُون إلى الهدى والنّور لما في ذلك من خطر يتهدد حياتهم، وعلى هذا فالمتكلم الوحيد هو فرعون وزمرته، وليس في المقابل من يستطيع أن يرد عليه بهتانه وفريته، وبذلك أظلمت حياة النّاس وأغرقهم فرعون في جهل مرعب.

(١) يونس: ٨٧].
(٢) تفسير النسفي(٢/١٣٩).


الصفحة التالية
Icon