ومن وسائل اللهو كثرة الأعياد والمناسبات، فعيد للشجرة وعيد للجلوس وعيد للأمّ…!وهكذا دواليك. ولم يكن فرعون شاذا عن هذه القاعدة بل كان له يوم الزينة،(وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم)(١)، وذلك ما يُرشد إليه قوله تعالى حكاية لقول موسى عندما طلب منه فرعون تعيين يوم للمباراة مع السحرة:’’قال موعدكم يوم الزينة‘‘(٢)، وهذا الإختيار من موسى عليه السلام يدلّ على كثرة النّاس المجتمعين في ذلك اليوم، حيث يخرج النّاس إلى الأماكن العامة المكشوفة.
إنّ سياسة إشغال النّاس ما زالت مستمرة كي لا يكون عندهم وقت للتفكير بالواقع المرّ الذي يعيشونه، وليس شرطا أن يكون إشغالهم بوسائل ترفيهية هابطة تثير أقبح ما في النفس من دوافع وغرائز حيوانية، وتخلق أجيالا كسيحة فحسب، بل تتعدى سياسة الإشغال هذا الشكل إلى ما نسمّيه بخلق الأزمات المستمرة، فيَجِدُ الفرد نفسه يخرج من أزمة ليدخل في أُخرى، فينتقل تفكيره وهمَّه من الهمّ العام إلى الهم والمشكلة الخاصة.
ولنا أن نقرر أن الجهل أرض خصبة ووسط مناسب تنمو فيها الخرافات والتصورات الفاسدة والعقائد الباطلة، وهو البيئة المناسبة لحكم الطواغيت. فأينما حلّ الجهل في قوم أو جماعة تكون القابلية لتلك الخرافات، وتكون القدرة على تسخير النّاس من قبل الطغاة أكثر، لأنّ التجهيل شرط لا بدّ منه لأي حكومة جائرة مستبدة، وقد بدت العداوة والبغضاء بين الطواغيت وبين العلم والوعي لشدة خطورة ذلك على أيّ نظام ظالم.
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون

(١) البداية والنهاية(١/٢٥٤). وانظر: تفسير الثعالبي(٣/٣٢).
(٢) طه: ٥٩].


الصفحة التالية
Icon