أرأيت كيف يبحث الطاغوت عن فرية؟! ثمّ أرأيت كيف وقع الإختيار؟هكذا هم الطواغيت في بحث مستمر عن فرية جديدة يصدون بها عن سبيل الله، بل وأقاموا مجامع لهم لتشويه وجه الحق، واشتروا عقولا بشرية تمتاز بالدهاء والذكاء والمهارة العالية يُعشعش فيها الشيطان لتعمل ليل نهار في البحث والاستقصاء عن طرق لترويج الباطل وتزوير الحقائق، وبذلوا في ذلك أموالهم وجهدهم، وتطورت أساليبهم وطرقهم، وبقي الكذب هو الجامع بين القديم والحديث منها.
لقد أراد فرعون بفريته الأولى-وهي اتهام موسى أنّه ساحر-التشكيك بنبوة موسى عليه السلام، ثمّ تقدم خطوة أخرى للتشكيك في أهداف الدعوة، فبينما موسى جاء لإطلاق بني إسرائيل من قيد فرعون، راح فرعون ينشر بين النّاس فريته أنّ موسى ما جاء إلاّ ليخرجكم من أرضكم، يقول تعالى مخبرا عن قوله:’’قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى‘‘(١). و(هذا من فرعون تعلل وتحير، ودليل على أنّه علم كونه محقا حتى خاف منه على ملكه، فإنّ الساحر لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه)(٢)، ولكنّه لجأ إلى الكذب(لحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه الصلاة والسلام بإبراز أن مراده عليه الصلاة والسلام ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم، بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية، حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد، ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة. وسمّى ما أظهره عليه الصلاة والسلام من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة)(٣).

(١) طه: ٥٧].
(٢) تفسير البيضاوي(٤/٥٦). وانظر: تفسير النسفي(٣/٥٨).
(٣) تفسير أبي السعود(٦/٢٣). وانظر: فتح القدير(٣/٣٧٠)وروح المعاني(١٦/٢١٦).


الصفحة التالية
Icon