ثمّ يلتفت إلى الجماهير مُبْدِياً حرصه عليهم،’’فماذا تأمرون(١)‘‘(٢)، أي(بأي شيء تأمرونني)(٣)، متنازلا من عليائه الكاذب في طرح المشورة عليهم، فالديمقراطية أداة في يدّ الطاغوت يستدعيها متى يحتاج إليها!يحاول بذلك استدرار العواطف واستدراج الجماهير بفتات يسير من الحرية الموهومة حتى إذا هدأت العاصفة عاد إلى طبعه.
وتظهر براعته في الكذب والاحتيال على الحقيقة حين ادعى أنّ خصومته لموسى ليست إلاّ دفاعا عن مصالحهم، فهي معركتهم التي يتبناها من أجلهم!فإنّ موسى’’يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون‘‘(٤). فأي عقلية شيطانية يتمتع بها الطاغوت!
إنّه يُخفي ذعره من تأثر القوم بدعوة موسى فهو يُغريهم به: يريد أن يخرجكم قسرا من أرضكم التي نشأتم فيها وتوطنتموها بسحره، وفي هذا غاية التنفير عنه عليه السلام وابتغاء الغوائل له(٥)، وكان فرعون يدرك أنّ ما قاله كذب، ولكنّه لا بدّ منه، إذ ليس هناك طريق آخر غير الإحتيال.

(١) قاله هو وأشراف قومه على سبيل التشاور في أمره فحكى عنه في سورة الشعراء وعنهم ها هنا)تفسير البيضاوي(٣/٤٦).
(٢) الأعراف: ١١٠].
(٣) وهذا من كلام فرعون، وقيل قاله الملأ من قبله بطريق التبليغ إلى العامة. فقوله تعالى:’’قالوا أرجه وأخاه‘‘على الأول وهو الأظهر حكاية لكلام الملأ الذين شاورهم فرعون، وعلى الثاني لكلام العامة الذي خاطبهم الملأ)تفسير أبي السعود(٣/٢٥٩). قال الشوكاني رحمه الله:(وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى بدليل ما بعده وهو:’’قالوا أرجه وأخاه‘‘. قاله الملأ جوابا لكلام فرعون حيث استشارهم وطلب ما عندهم من الرأي)فتح القدير(٢/٢٣١).
(٤) الشعراء: ٣٥].
(٥) انظر: تفسير ابن كثير(٣/٣٣٤)وتفسير أبي السعود(٦/٢٤١)وروح المعاني(١٩/٧٦).


الصفحة التالية
Icon