لقد أفرط فرعون في التهمة وتوسع فيها، فجمع بين فرية التشكيك بنبوة موسى وبأهليته-فهو إمّا ساحر أو مجنون أو مسحور-وبين فرية التشكيك بما جاء به، فكأنّه أراد أن يشكك بكل ما يمُتّ إلى موسى بصلة، فكلّ ما جاء به موسى-بزعم فرعون-سحر مبين مفترى، يقول تعالى:’’فلمّا جاءهم الحق من عندنا قالوا إنّ هذا لسحر مبين‘‘(١). ويقول تعالى:’’فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلآّ سحر مفترى‘‘(٢). أي(فلما جاءهم الحق من عندنا وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك، قالوا من فرط تمردهم:’’إنّ هذا لسحر مبين‘‘ظاهر أنّه سحر أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوته)(٣)،(فهي-إذن-المماراة في الحق الواضح الذي لا يمكن دفعه. المماراة المكرورة حيثما واجه الحق الباطل فأعيا الباطل الجواب. إنّهم يدّعون أنّه سحر… وهم لا يناقشون بحجة، ولا يُدلون ببرهان، إنّما يقولون بهذا القول الغامض الذي لا يحق حقا ولا يبطل باطلا ولا يدفع دعوى)(٤).

(١) يونس: ٧٦].
(٢) القصص: ٣٦].
(٣) تفسير البيضاوي(٣/٢١٠). وانظر: تفسير الطبري(١١/١٤٥)وتفسير القرطبي(٨/٣٦٦)وتفسير ابن كثير(٢/٤٢٧)وتفسير النسفي(٢/١٣٧).
(٤) في ظلال القرآن(٦/٣٤٨-٣٤٩).


الصفحة التالية
Icon