وهذا قول ظاهر أنّه بهت وكذب؛(فإنّ موسى عليه السلام بمجرد ماجاء من مدين دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ماجاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن مملكته فجمع سحرة متفرقين ممن اختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل، وكانوا أحرص الناس على الظهور، والتقدم عند فرعون. وموسى عليه السلام لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنّما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم)(١).
الكذب تزوير للحقيقة كي لا تتضح معالم المعركة بين الحق واالطاغوت في أذهان الجماهير
إنّ الكذب تزوير للحقيقة، وهو ما يريده فرعون وكل طواغيت الأرض، كي لا تتضح معالم المعركة في أذهان الجماهير، فتبقى جاهلة لأسباب الخصومة بين الحق والباطل، فتتميّع المفاهيم في عقولها، وتتشوش الرؤيا، فلا تصبح قادرة على فعل شيء. لأنّ فهم رسالة الحق أساس في مناصرتها واتباعها، كما أن فهم الباطل أساس في محاربته ومخاصمته، ولهذا درجت الحكومات الجائرة على الكذب تزويرا للحقيقة.
فالكذب وسيلة الطواغيت في إظهار أنفسهم بمظهر لا يعكس حقيقتهم؛وهو وسيلتهم في الردّ على الحق وأهله؛أي أنّهم يكذبون مرّتين: مرّة في تقديم أنفسهم، ومرّة في ردهم على من خالفهم، ولذلك ظهرت عليهم علامات الضلال وعدم الهدى، يقول تعالى:’’إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذاب‘‘(٢)، أي(إنّ الله لا يوفق للحق من هو متعد إلى فعل ما ليس له فعله كذاب عليه يكذب ويقول عليه الباطل وغير الحق)(٣)، ولهذا كانت الحكومات الحالية ضالة متعثرة غير مُوفقة.

(١) تفسير ابن كثير(٢/٢٣٩)مع بعض التصرف.
(٢) غافر: ٣٨].
(٣) تفسير الطبري(٢٤/٥٨).


الصفحة التالية
Icon