والكذب جريمة نكراء وظلم للحقيقة، وهو مسلك الفاجرين إلى النّار، ففي الحديث’’إياكم والكذب، فإنّ الكذب يهدى إلى الفجور وإنّ الفجور يهدى إلى النّار‘‘(١)، والطاغوت أياً كان يتقن الكذب والتمويه والمداهنة والمراوغة ويعتبرها فنّا من فنون السياسة. وإذا ظهر من يكشف كذب الطاغوت أرعدت الحكومة والبطانة، واتهموه بالزندقة والفتنة والفجور والتطاول على الأكابر. تنقبض قلوبهم الآثمة لسماع الحق؛فكلمة الحق ثقيلة على أسماع الطواغيت.
وإنّ ممّا يزيد الأمور تعقيدا أن يقوم بعض المأجورين بترويج الكذب الذي يعيش في كنفه الطواغيت، وهم يعلمون أنّه كذب. كما كان يفعل الملأ من قوم فرعون وقومه من الذين شايعوه وناصروه. ممّا يستدعي المزيد من الجهد والمثابرة في كشف الحقيقة.
ونختم هذا المبحث بتحذير الأفّاكين من نقمة الله وبطشه في يوم يُجمع فيه الأولون والآخرون، يقول تعالى:’’وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة‘‘(٢). فما ظنّ الطغاة يا تُرى؟وماذا يتصورون شأنهم يوم القيامة؟أيحسبون أن يفلتوا من عقاب الله!
المبحث الرابع
السيطرة الإقتصادية
وهي من أهم الوسائل التي ثبّت بها فرعون حكمه ونظامه، فالإقتصاد عصب الحياة على مدار تاريخ الأمم والشعوب، وهو سرّ تكالب النّاس قديما على أماكن الكلأ والماء، وهو سبب تكالب النّاس حديثا على مصادر الثروة كالنّفط والمعادن وغيره، لما في تلك المصادر والثروات من حيوية في حياة النّاس وعيشهم، حتى صح القول: من يملك يحكم، لأنّ من بيده المال والثروة يستطيع التّحكّم في حياة النّاس، وبالتّالي حكمهم والسيطرة عليهم.

(١) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله (٤/٢٠١٣)رقم(٢٦٠٦).
(٢) يونس: ٦٠].


الصفحة التالية
Icon