ثمّ حان الأجل وتركوا تلك المنازل العالية الحسنة والبساتين وعيون الماء والأنهار والأموال والأرزاق وكنوز الذهب والفضة والملك والجاه الوافر والمجالس البهية في الدنيا(١)، يقول تعالى:’’فأخرجناهم من جنّات وعيون، وكنوز ومقام كريم‘‘(٢). وكفى بهذا دليلا على ما كان القوم بزعامة فرعون يملكون. يقول تعالى:’’كم تركوا من جنّات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين(٣)‘‘(٤). أي(عيشة كانوا يتفكهون فيها، فيأكلون ما شاءوا ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسُلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير)(٥).
ومن الشواهد أيضا قوله تعالى:’’ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون‘‘(٦). أي وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع، وما كانوا يعرشون من الأبنية والقصور كصرح هامان وغيرها، وقيل: هو تعريش الأشجار والثمار والأعناب(٧)، وفي ذلك شواهد وأدلة على قوة الوضع الإقتصادي الذي يتمتع به نظام فرعون، فعندهم عمارات ومزارع وأبنية وقصور، بل وربما تشير الآية بوجه من وجوه التفسير-وأعني التعريش- إلى تقدمهم في المجال الزراعي، الذي هو جزء من القوة الإقتصادية.
المال بين يدي الطاغوت وسيلة من وسائل التثبيت لمنهجه ونظامه

(١) انظر: تفسير الطبري(١٩/٧٨)وتفسير البيضاوي(٤/٢٤٠)وتفسير ابن كثير(٣/٣٣٧)وفتح القدير(٤/١٠١).
(٢) الشعراء: ٥٧-٥٨].
(٣) ونعمة كانوا فيها فكهين أي أشرين(بطرين)، وفاكهين أي ناعمين)مختار الصحاح، مادة: فكه(٢١٣).
(٤) الدخان: ٢٥-٢٧].
(٥) تفسير ابن كثير(٤/١٤٢)مع بعض التصرف. وانظر: تفسير الطبري(١٦/١١٦)والدر المنثور(٧/٤١١).
(٦) الأعراف: ١٣٧].
(٧) انظر: تفسير الطبري(٩/٤٤)وتفسير الواحدي(١/٤١١)وتفسير القرطبي(٧/٢٧٢)وتفسير ابن كثير(٢/٢٤٣)وتفسير البغوي(٢/١٩٤)وتذكرة الأريب في تفسير الغريب(١/١٨٧)وتفسير الجلالين(١/٢١٢).


الصفحة التالية
Icon