وازدادت سيطرة فرعون الإقتصادية على النّاس والجماهير مع ازدياد تعلقهم بمتاع الدنيا وازدياد حبهم لها، فكلما كان النّاس أشدا حبا للمال وتعلقا به كان إغراؤهم به أيسر، وفي هذا بعض التفسير لفاعلية هذه الوسيلة في نظام فرعون، حيث سادت في زمن فرعون العقلية الماديّة مع غياب عقيدة اليوم الآخر، وبسبب العقائد التي كانت سائدة في ذلك الزمان والمفاهيم المغلوطة عن الحياة، ويكفي للدلالة على هذا موقف السّحرة الذين يمثلون النّخبة من طبقة الكهنة وهم يقفون بين يدي فرعون لا يطلبون غير الدرهم والدينار. يقول تعالى’’فلمّا جاء السحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين، قال نعم وإنّكم إذا لمن المقربين‘‘(١). فإذا كان هذا حال الطبقة التي تمثل الدّين في هذا المستوى من التفكير والإنحطاط، فكيف الحال بباقي الطبقات؟!
وممّا يدلّ على طغيان المفهوم المادي على النّاس والمجتمع نصيحة وموعظة مؤمن آل فرعون لقومه حين قال لهم:’’يا قوم إنّما هذه الحياة الدّنيا متاع وإنّ الآخرة هي دار القرار‘‘(٢). أي(ما هذه الحياة الدنيا العاجلة التي عجلت لكم في هذه الدار إلا متاع تستمتعون بها إلى أجل أنتم بالغوه ثم تموتون وتزول عنكم، وإن الآخرة هي دار القرار التي تستقرون فيها فلا تموتون ولا تزول عنكم، فلها فاعملوا وإياها فاطلبوا)(٣). فهو يذكرهم بحقيقة هذه الدّنيا التي تعلّقوا بها وامتلأت قلوبهم بحبها، فهي متاع زائل لا قيمة له، وأنّ الآخرة هي دار القرار. قال لهم ذلك لأنّهم تعلقوا بمتاع الدّنيا الزائل، فلولا هذه العلة التي يعاني منها القوم لما كان خطابه لهم بهذه الصيغة.

(١) الشعراء: ٤١-٤٢].
(٢) غافر: ٣٩].
(٣) تفسير الطبري(٢٤/٦٧). وانظر: تفسير البيضاوي(٥/٩٤)وتفسير القرطبي(١٥/٣١٧)وتفسير أبي السعود(٧/٢٧٧)وزاد المسير(٧/٢٢٤).


الصفحة التالية
Icon