وكما ذكر القرآن جنود فرعون نصّاً، فإنّه ذكرهم بعبارة تدلّ عليهم، ولكن لإعطاء معنى آخر وفائدة أخرى، يقول تعالى:’’وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، فتولّى بركنه(١)وقال ساحر أو مجنون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ وهو مليم‘‘(٢). والمعنى أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل موسى إلى فرعون بسلطان مبين أي بحجة بينة كالعصا واليد، فأعرض فرعون عن الإيمان بموسى وتولّى بما كان يتقوى به من جنوده، وهو اسم لما يركن إليه الشيء ويتقوى به، ومنه قوله تعالى:’’أو آوي إلى ركن شديد‘‘(٣)، يعني المنعة والعشيرة، وركن الشيء جانبه الأقوى، وهو يأوي إلى ركن شديد أي عزة ومنعة، وهذا عبارة عن المبالغة في الإعراض عن الشيء(٤). ويؤيد هذا الوجه في التفسير قوله تعالى بعد ذلك:’’فأخذناه وجنوده‘‘، أي أخذناه وركنه الذي تولّى به، وهذا الوجه في التفسير هو اختيار الطبري(٥).
والشاهد في الآية أنّ فرعون رفض الإيمان معتمدا على جنوده، فلولا هذا الركن الذي تولّى به لما تطاول فرعون كلّ هذا التطاول، ممّا يدلّ على أنّ جيش فرعون وسيلة من وسائله في ردّ الحق ورفضه، وبالتّالي وسيلة لتثبيت الباطل على حساب الحق.

(١) ركن الشيء جانبه الأقوى، و الركن الناحية القوية وما تقوى به من ملك وجند وغيره، وبذلك فسر قوله عز وجل:(فتولى بركنه)ودليل ذلك قوله تعالى:(فأخذناه وجنوده)أي أخذناه و ركنه الذي تولى به. والجمع أركان و أركن)لسان العرب، مادة: ركن(١٣/١٨٥).
(٢) الذاريات: ٣٨-٤٠].
(٣) هود: ٨٠].
(٤) انظر: تفسير البيضاوي(٥/٢٣٩)وتفسير القرطبي(١٧/٤٩)وتفسير أبي السعود(٨/١٤٢)وفتح القدير(٥/٩٠)وروح المعاني(٢٧/١٥)وفتح الباري(٦/٤١٦).
(٥) فتولى بركنه)أي(بقومه من جنده وأصحابه، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه)تفسير الطبري(٢٧/٣). وانظر: الدر المنثور(٧/٦٢١)وتفسير الصنعاني(٣/٢٤٤)وتذكرة الأريب في تفسير الغريب(١/١٧٩).


الصفحة التالية
Icon