إنّ الوسائل التي اعتمدها فرعون أدت إلى نظام يمتاز بالقوة والمتانة، تلك النتائج التي بيّنها القرآن في قوله تعالى:’’وفرعون ذو الأوتاد‘‘(١). أي ذو الملك الثابت بالأوتاد، وهو مأخوذ من ثبات البيت المُثَبَّت بالأوتاد. أو ذو البناء المحكم، أو كثير البنيان والبنيان يسمى أوتادا، وقيل: ذو الأوتاد أي ذو الجنود الكثيرة، فسميت الجنود أوتادا لأنّهم يقوون أمره كما يقوي الوتد البيت(٢)، أو( فرعون صاحب الأهرامات التي تقوم في الأرض كالأوتاد)(٣)، وهي ما زالت ماثلة إلى اليوم.
ولنا أنّ الإختلاف في هذه المعاني إختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فجميعها تدل على قوة وثبات حكمه. ولا شك أنّ قوة النّظام تنعكس على شخصية فرعون نفسه؛لأنّ(ذو الأوتاد: صفة فرعون لا لجميع ما قبله وإلا لقيل ذوو الأوتاد)(٤).
ومن الأدلة على قوة فرعون قوله تعالى:’’ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون‘‘(٥). والمعنى أنّ الله جلّت قدرته(أهلك ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع، وما كانوا يعرشون أي وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور، وأخرجهم من ذلك كله، وخرّب جميع ذلك)(٦). وهذا يعني أنّهم كانوا في مستوى من التطور بحيث يصنعون العمارات ويبنون القصور الفخمة، وهذا يدلّ على قوة فرعون المادية. كما دل على ذلك أمر فرعون لهامان أن يبني له صرحا يبلغ بواسطته أسباب السماوات. وقد ذكرنا فيما سبق دلائل قوته الاقتصادية والعسكرية كذلك.

(١) الفجر: ١٠].
(٢) انظر: تفسير القرطبي(١٥/١٥٤-١٥٥)وتفسير البيضاوي(٥/٣٨-٣٩)ومعاني القرآن(٦/٨٥).
(٣) في ظلال القرآن(٧/٩٠).
(٤) روح المعاني(٢٣/١٧٠).
(٥) الأعراف: ١٣٧].
(٦) تفسير الطبري(٩/٤٤)مع بعض التصرف. وانظر: تفسير ابن كثير(٢/٢٤٣)وتفسير أبي السعود(٣/٢٦٧)وتذكرة الأريب في تفسير الغريب(١/١٨٧)وروح المعاني(٩/٤٠).


الصفحة التالية
Icon