إنّ تأكيدنا لقوة نظام فرعون ليس مدحا له، فالأمور بمقاصدها و(إنما الأعمال بالنيّات)(١)، فكل فعل يُقصد منه التفاخر والتباهي والتطاول على النّاس، أو الركون إلى الدنيا والرضى بها والإطمئنان إليها، هو فعل يمقته الله سبحانه. فتلك حضارة قامت على غير هدى من الله؛فأنتجت الظلم والجور والعدوان. ولقد ذمّ القرآن هذا النوع من الحضارة!وذلك هو معنى قوله تعالى لعاد قوم هود:’’أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين‘‘(٢)؛ذلك أنّهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد والأرزاق الدارة والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار، فغرّهم ما هم فيه على عادة الطواغيت. فلم يكن بناؤهم ولا تشييدهم للمصانع سوى عبثا، لا للإحتياج إليه بل لمجرد اللعب وإظهار القوة، فما ذلك إلاّ تضييع للزمان وإتعاب للأبدان بلا فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة(٣)، فتلك حضارات جرّت معها الآلام الجسام على البشرية.

(١) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ (١/٣)رقم(١).
(٢) الشعراء: ١٢٨-١٣٠].
(٣) انظر: تفسير الطبري(١٩/٩٣، ٩٥)وتفسير ابن كثير(٣/٣٤٢).


الصفحة التالية
Icon