شكل الوسيلة قد يختلف ولكنّ حقيقتها باقية وطبيعتها واحدة، فهي تدور بين الخداع والتمويه والكذب وبين القهر والتركيع، وبينهما الإغراء وشراء الذمم؛فالطاغوت مفلس في مجال الحجة والبرهان، وتلك هي علته المُزمنة، ولهذا فإنّ الطواغيت وإن تباعدت أزمانهم وأماكنهم يلتقون بحقيقة وسائلهم كما يلتقون بغاياتهم.
إنّ الوسائل التي اعتمدها فرعون تعكس الجهد الكبير الذي بذله وأنفقه في تأليه نفسه، وهي ظاهرة واضحة متكررة، فالطاغوت المعاصر يحشد الكثير من الطاقات لتثبيت نفسه، حيث يُنفق الأموال الطائلة على بطانته لتبقى خط الدفاع عن الطاغوت أي عن مصالحها، ثمّ تُنفق الأموال في أجهزة الإعلام المُسخرة لخدمة أغراضه وأهدافه، يقول تعالى:’’إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله‘‘. كما تُزهق الأرواح والأعراض!لو أنفق بعضها في عمارة الأرض، والإنتاج المثمر، لترقية الحياة البشرية وإغنائها، لعاد على البشرية بالخير الوفير(١).
لقد تنوعت وتعددت وسائل القهر الحديثة كي تستطيع التعامل مع مختلف الشخصيات والمجتمعات، فمن لا يُسكته السجن لشدة صبره ومصابرته قد تُذله التهمة المزورة.. والشعب الذي تعوَّد مواجهة الشرطة والتمرد على العصا تُخضعه القلاقل والإنقسامت الداخلية والأزمات الإقتصادية، وتعدى ذلك إلى أبشع ما يتصوره العقل البشري من افتعال المجاعات التي تحصد الآلاف من الأرواح، وتكفي هذه المجاعات دليلا على قسوة الأساليب المعاصرة في تركيع الشعوب والأمم.. وتلعب المخابرات دورا بارزا في هذا المجال، فيثيرون الفتن الطائفية والقبلية والنعرات الجاهلية.. وكل ما يؤدي إلى خلخلة النّظام الاجتماعي وزعزعة أمن المواطن، وهم إنّما يفعلون ذلك بطرق ملتوية عبر أناس مأجورين، وهكذا تغير شكل الوسيلة فلم تعد واضحة المعالم أو أُحادية الإتجاه، بل أصبحت معقدة التركيب متعددة الإتجاهات، يقف وراءها علماء النّفس وخبراء الإجتماع.

(١) انظر: في ظلال القرآن (٤/٦٤٧).


الصفحة التالية
Icon