يلجأ الطاغوت أحيانا إلى سياسة العصا والجزرة؛ذلك أنّ وجود النقيضين يرفع من مستوى ضراوة المعركة مع الطاغوت، ويتطلب نفسا كبيرة في المواجهة، فالطاغوت يضعك بين خيارين: إمّا الطاعة المستتبعة للمنصب والوظيفة والتسهيلات، أي ما يقع في دائرة الإغراء لإسقاط المجاهدين الرافضين للطاغوت.. وإمّا التمرد المستتبع للسجن والتعذيب والقمع.. فأيُّ الخيارين تريد؟ثمّ بعد ذلك يروّجون أنّ فلانا قد تاب!وعاد إليه رشده!وحينئذ تشتد المحنة على الأحرار الرافضين استبدال الدين بعرض من أعراض الدنيا، وتلك هي الحرب النّفسية التي يُراد منها كسر إرادتهم وصمودهم.
وما الاستعمار-بكافة صوره القديمة والحديثة، والمباشرة وغير المباشرة والمتمثلة بإيجاد عملاء من أبناء الشعوب المسحوقة يقومون بدور المستعمر ويمثّلون مصالحه وأطماعه-إلاّ صورة من صور التسلط والقهر، بل ويُمكننا القول أنّ الديقراطية العلمانية الحديثة هي وجه مُستعار وصيغة مبتدعة وبديل آخر للإستعمار القديم بعد أن أفلس الوجه القديم للإستعمار، وفُضح أمره ولم يعُد مقبولا عند الجماهير؛ذلك أنّ الديمقراطية الحديثة هي الستار التي يُحارب من ورائه أهل الحق بدعوى أنّهم أعداء للديمقراطية والحرية، وأكثر من ذلك أنّ شعوبا كاملة تُهان وتُمتهن كرامته تحت ستار نشر الديمقراطية!
وقد يُقدم الطاغوت-إن هو أحس بنتائج عكسية لهذا الضغط-إلى التنفيس المُمَنْهَج!وذلك كي لا يؤدي الضغط في مرحلة معينة إلى انفجار لا يُريده الطواغيت ولا يدري ما هي عواقبه، ثمّ ما يلبثون أن يعودوا لسيرتهم الأولى، وهكذا حتى يتم ترويض الجماهير، وتصل مرحلة لا تحس فيها أنّها معذبة أو مقهورة، وتلك هي المرحلة التي يصبح النّاس فيها رقيقا وإن ركبوا في الباصات وأكلوا في المطاعم.. فالمُستَرَقُّ هو مُسْتَرَقُّ الجوهر لا المظهر، وهذه هي العبودية الحديثة، أو الرق المعاصر!
الفصل الرابع: آثار شخصية فرعون
المبحث الأول: الآثار المجتمعية لشخصية فرعون


الصفحة التالية
Icon