وقال بعضهم: إنّه كان جاهلا بالله تعالى، ومع ذلك لايعتقد في نفسه أنّه خالق السموات والأرض وما فيهما، بل كان دهريا نافيا للصانع سبحانه، معتقدا وجوب الوجود بالذات للأفلاك، وأنّ حركاتها أسباب لحصول الحوادث، ويعتقد أنّ من ملك قطرا وتولى أمره لقوة طالعة استحق العبادة من أهله، وكان ربّا لهم، ولهذا خصص ألوهيته وربوبيته ولم يعمّهما حيث قال:’’ما علمت لكم من اله غيري‘‘(١)، و’’أنا ربكم الأعلى‘‘)(٢). (فما أثبته في قوله:’’لعلي أطلع إلى إله موسى‘‘(٣)، الإله لغير مملكته، وما نفاه هو أن يكون هناك إله غيره في مملكته، كما يشير اليه قوله: ( لكم)، ولا يخلو عن بحث )(٤).
وربما كان من القائلين(بحلول الرب سبحانه وتعالى في بعض الذوات ويكون معتقدا حلوله عز وجل فيه، ولذلك سمى نفسه إلها. وقيل: كان يدعي الألوهية لنفسه ولغيره، وهو ما كان يعبده من دون الله عز وجل)(٥)، كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى:’’وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك‘‘(٦). حيث دلّت الآية أنّ لفرعون آلهة كان يعبدها وربما كان يتخذها وسيلة في إضفاء القدسية على شخصه، أو ربما اعتبر نفسه وسيطا بينها وبين النّاس، بمعنى أنّ هناك علاقة معينة بناها فرعون بينه وبين هذه الآلهة لتخدم الوضع القائم الذي يريده فرعون.
وروي أنّه( كان أولا يدعو النّاس إلى عبادة الأصنام ثم دعاهم إلى عبادة البقر فكانت تعبد ما كانت شابة فإذا هرمت أمر بذبحها ثم دعا بأخرى لتعبد ثم لما طال الزمان قال:’’أنا ربكم الأعلى‘‘)(٧)

(١) القصص: ٣٨].
(٢) روح المعاني(١٩/٧٣).
(٣) القصص: ٣٨].
(٤) تفسير ابن كثير(٣/٣٩١)، وانظر: روح المعاني(٢٠/٨٠-٨١)وتفسير البيضاوي(٤/٢٣٦).
(٥) روح المعاني(١٩/٧٤).
(٦) الأعراف: ١٢٧].
(٧) تفسير القرطبي(١٥/٣١٧).


الصفحة التالية
Icon