إنّه التيه والعبثية والجهل وفقدان القدرة على التفكير والنّظر، فالنّاس-حال الضلال-في ضياع تام، وهو ما سلكه فرعون بقومه، لقد أضلهم من أول أمره حتى نهايته، فقد(سلك بهم مسلكا أداهم إلى الخيبة والخسران في الدين والدنيا معا، حيث ماتوا على الكفر بالعذاب الهائل الدنيوي المتصل بالعذاب الخالد الأخروي. وما أرشدهم قط إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية، وهو تقرير لإضلاله وتأكيد له إذ رب مضل قد يرشد من يضله إلى بعض مطالبه)(١)، وليس فرعون من هذا النوع، بل إنّ أمره كلّه ضلال ليس بعده هدى. يقول تعالى:’’وأضل فرعون قومه وما هدى‘‘(٢). أي أضلهم عن الرشد وأضلهم في الدّين، وما هداهم إلى خير ولا نجاة، وهو تهكم به وجواب قوله:’’ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد‘‘(٣)، فكذبه الله تعالى(٤)؛(ذلك أنّه سلك بهم طريق أهل النّار بأمرهم بالكفر بالله وتكذيب رسله، وما سلك بهم الطريق المستقيم، وذلك أنّه نهاهم عن اتباع رسول الله موسى والتصديق به فأطاعوه، فلم يهدهم بأمره إياهم بذلك، ولم يهتدوا باتباعهم إياه)(٥).

(١) تفسير ابي السعود(٦/٣٢). وانظر: زكريا: أبو يحيى الأنصاري، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، جزء واحد، تحقيق: محمد علي الصابوني، جزء واحد، ط١، عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٥هـ ـ١٩٨٥م.(٢٦٤).
(٢) طه: ٧٩].
(٣) غافر: ٢٩].
(٤) انظر: تفسير القرطبي(١١/٢٢٩).
(٥) تفسير الطبري(١٦/١٩٢)مع بعض التصرف.


الصفحة التالية
Icon