إنّ الضلال يُنتج بشرا لا يدركون سبب وجودهم ولا غاية خلقهم، يعيشون ويموتون دون هدف أو غاية، ثمّ تنعكس تلك الحالة العبثية أمراضا نفسية تأكل النّاس وتُحيل حياتهم إلى جحيم؛فالضلال حيرة وتيه تفقد الأمّة بسببه القدرة على تحديد نقطة الإنطلاق نحوالهدف، فلا تعود قادرة على التمييز بين الغث والسمين. حينئذ يعيش النّاس حياة بهيمية بل أقل درجة، وذلك ما نفهمه من قوله تعالى:’’إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا‘‘(١)،(إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي بها تجاهد مقتضى الشهوات وهذا قد خلق له وعطله)(٢)، فليس هناك فارق بين الإنسان والبهيمة غير النّظر والتدبر والفكر!يقول تعالى:’’ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون‘‘(٣)،(فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة)(٤)، وتلك هي النوعية التي يعيش معها الطواغيت؛جماهير فارغة لا تدري أنّها لا تدري!وتلك علة كبرى.
وفي حال الضلال يكون العقل أسيرا لخرافات(٥)تضر ولا تنفع كالسحر والكهانة وغيرها، ولهذا كانت دعوة الأنبياء في جوهرها تحرير للعقل من أن يكون أسيرا للخرافات والخزعبلات، حيث دعى الأنبياء إلى النّظر والتفكر في الكون والحياة؛ذلك أنّ الحق لا يخشى التفكير والحجة والبرهان بل هو يقوم على ذلك، فدعوة أهل الحق النّاس للتفكير والنّظر تنسجم مع حقهم الذي يحملون، على عكس الجاهلية والطاغوت فإنّه يخشى يقظة النّاس لأنّها تكشف زيفه وباطله.

(١) الفرقان: ٤٤].
(٢) فيض القدير(١/٢١٤).
(٣) الأعراف: ١٧٩].
(٤) تفسير ابن كثير(٤/٢٤).
(٥) الخرافة من الفعل خرف، و(خَرِفَ الرجل فسد عقله من الكبر)، لسان العرب، مادة: خرف(٩/٦٢).


الصفحة التالية
Icon