ثمّ وصل بهم الشلل الفكري وانعدام النظر أن شَكُّوا في موت فرعون؛وذلك بسبب ما تعرّض له بنو إسرائيل في ظلّ فرعون حيث دخل في نفوسهم من عظمته ما خُيّل إليهم أنّه لا يهلك؛ذلك أنّهم كذبوا موسى ﷺ حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه جثة هامدة على الساحل، حيث أمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سويا بلا روح وعليه درعه المعروفة على نجوة من الأرض-وهو المكان المرتفع-ليتحققوا موته وهلاكه(١)، ولم يكن هذا التصور وهذا الاعتقاد إلا نتيجة لجهلهم وسفاهة عقولهم وفساد عقائدهم، يقول تعالى:’’وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون‘‘(٢). والشاهد في الآية قوله تعالى:’’وأنتم تنظرون‘‘، وذلك(أنّ الله تعالى لما أنجاهم وأغرق عدوهم، قالوا يا موسى: إنّ قلوبنا لا تطمئنّ إنّ فرعون قد غرق، حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه)(٣)، والمعنى أنّهم وصلوا بسبب جهلهم وضلالهم حدا يتصورون أنّ فرعون لا يموت!أي قد خالج قلوبهم أنّه ربما يكون إلها!وبسبب هذا التصور الأحمق نجّا الله فرعون ببدنه، يقول تعالى:’’فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية‘‘(٤). أي لتكون لمن وراءك علامة، وهم بنو إسرائيل ومن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر، لكي يعتبروا بك فينزجروا عن معصية الله والكفر به والسعي في أرضه بالفساد(٥).

(١) انظر: تفسير ابن كثير(٢/٤٣٢)ومعاني القرآن(٣/٣١٥)وتفسير النسفي(٢/١٤١)وروح المعاني(١١/١٨٤).
(٢) البقرة: ٥٠].
(٣) تفسير القرطبي(١/٣٩٢). وقد وردت وجوه أخرى في تفسير الآية الكريمة’’وأنتم تنظرون‘‘. منها: ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم)تفسير ابن كثير(١/٩٢)، وهذا لا يتناقض مع الوجه الذي ذكرناه.
(٤) يونس: ٩٢].
(٥) انظر: تفسير الطبري(١١/١٦٤)وتفسير القرطبي(٨/٣٨١).


الصفحة التالية
Icon