إنّ ضعف الوعي والتّعود على بلادة التفكير أدى ببني إسرائيل بعد أن خرجوا من ظلّ فرعون وتحرروا من قوة فرعون الظاهرة أن يعبدوا العجل، بل ويطلبون من موسى أن يجعل لهم إلها كما لعبدة الأصنام آلهة،’’قالوا يا موسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة، قال إنّكم قوم تجهلون‘‘(١)،(فلم تزجرهم تلك الآيات ولم تعظهم تلك العبر والبينات)(٢)؛ذلك أنّهم تعرضوا إلى مسخ في الفكر والوعي، فلا علم عندهم ولا معرفة. ممّا يؤكد لنا أن المرض قد استقرّ في قلوبهم وعقولهم، يقول تعالى:’’وأشربوا في قلوبهم العجل(٣)‘‘(٤). أي(تداخلهم حبه، ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به، كما يتداخل الصبغ الثوب والشراب أعماق البدن)(٥)، وهكذا وصل جهلهم حدّ الإشباع والتّشبع!فما أن تركهم موسى أياما معدودات حتى عاد إليهم وقد عبدوا العجل من دون الله، ممّا يكشف عن مدى ما أصابهم من الخلل النّفسي والسفه العقلي والفساد الفكري،
يقول تعالى:’’ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون‘‘(٦). فمع ما تعرضوا له من استجهال لا يُعفيهم من المسؤولية بعدما تبيّن لهم الحق. فكل من علم الحق وجب عليه اتباعه، ومن أعرض عنه فهو من الظالمين.

(١) الأعراف: ١٣٨].
(٢) تفسير الطبري(٩/٤٥).
(٣) وليس المقصود هو ذات العجل(وإنما هو حب العجل) المحاسبي: أبو عبد الله، الحارث بن أسد بن عبد الله،(١٦٥-٢٤٣هـ)، فهم القرآن ومعانيه، جزء واحد، تحقيق: حسين القوتلي، ط٢، دار الكندي، دار الفكر، بيروت، ١٣٩٨هـ.(٤٨٧)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(فهم القرآن).
(٤) البقرة: ٩٣].
(٥) تفسير البيضاوي(١/٣٦٢-٣٦٣).
(٦) البقرة: ٩٢].


الصفحة التالية
Icon