وليس أدل على ذلك من عبادتهم للعجل، يقول تعالى:’’فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك وأضلهم السامري‘‘(١)، وكان ذلك(لمّا ذهب موسى إلى مناجاة ربه واستخلف عليهم أخاه هارون عليهما السلام نسوا الله تعالى، وحنُّوا إلى ما وقر في نفوسهم من الوثنية المصرية وخرافاتها فعبدوا العجل)(٢)،(لأنّ الإستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها والوفاء بالعهد والثبات عليه، وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للإنقياد والتقليد المريح.. فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختبار. ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم النفسي، وكان أول ابتلاء هو ابتلاءهم بالعجل الذي صنعه لهم السامري)(٣).
إنّ الركون إلى الدنيا والحرص عليها والخضوع للشهوة والهوى، واعتبار الرزق مرهون بيد الطاغوت لا بيد الله، والخوف من مواجهة الموت، وكأنّ الطاغوت يحيي ويميت.. كلّ ذلك أعراض للوهن والضعف الذي أصاب قطاعا واسعا من الأمّة، ممّا جعلها مكبَّلة الإرادة تقبل بالذل والإهانة. بل وتعدى الأمر ذلك إلى أن يتجه بعض النّاس لتلمس العزة عند السلطان’’واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا‘‘(٤)!فازدادوا ذلا وإذلالا، وذلك لأنّهم فشلوا في إدراك مصدر العزة،’’فإنّ العزة لله جميعا‘‘(٥)، ومن ابتغى العزة لغير الله أذله الله.

(١) طه: ٨٥].
(٢) مناهل العرفان(٢/٢٩٩).
(٣) في ظلال القرآن(٥/٤٩٠).
(٤) مريم: ٨١].
(٥) النّساء: ١٣٩].


الصفحة التالية
Icon