إنّ فرعون-كما هو الحال عند كلّ الطواغيت-لا يعيش إلاّ في مجتمع مريض مشرذم متصادم الأغراض والأهواء والمصالح، تسوده الكراهية والحقد والعدوانية!ولهذا عمد الملعون إلى سياسة التفريق بين النّاس، يقول تعالى:’’إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يُذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين‘‘(١). أي(فرقا يشيعونه فيما يريد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل، أو أحزابا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه)(٢). فهو يقرب فئة ويستذل أخرى، فهناك طبقة راقية وطبقة منحطة!ممّا يضمن له عدم اتفاق النّاس عليه، بل إنّ الفئات المستفيدة ستدافع عن النّظام الذي يمثل مصالحها وامتيازاتها، ولم تكن تلك الفئات على نفس درجة القرب من الحكومة، فهناك الطبقة الحاكمة حيث يتربع على رأس هرمها فرعون، ومن دونه هامان وزيره وأقرب النّاس إليه، ومن دونه طبقة الأشراف وهم الملأ من آل فرعون، ويمثلون بطانته وحاشيته والمقربين من القصور، ومن دونهم آل فرعون، ومن دونهم طبقة الكهنة والسّحرة، حيث يمثل السحرة قمة هذه الطبقة، ومن دونهم قوم فرعون، ثمّ بنو إسرائيل والذين يُمثلون قاعدة الهرم في النّظام الطبقي الفرعوني، وهم الطبقة المسحوقة.

(١) القصص: ٤].
(٢) تفسير البيضاوي(٤/٢٨٢). وانظر: تفسير أبي السعود(٧/٢).


الصفحة التالية
Icon