ومع توالي الزمن ودوران الأيام ازدادت الهوة بين الأشراف!والمسحوقين، وازدادت الفروق النفسية والإجتماعية والمُستويات المعيشية.. وانعكست تلك الفروق على السلوك العام وترسخت في أذهان النّاس وكأنّها قدر لا تُرد!أو كأنّها جزء من سنّة الحياة!وليس أدلّ على ذلك من قول فرعون عن موسى:’’أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يُبين‘‘(١). فهو بزعمه أفضل من(هذا الذي هو ضعيف لقلة ماله، وأنّه ليس له من الملك والسلطان شيء)(٢)، وكأنّ الجواب حاضر في نفوس المخاطبين الذين استقرت في أعماقهم المفاهيم الطبقية، فالذي يملك المال والسلطان وينتمي إلى طبقة الآلهة والأشراف-عندهم-خير ممّن لا يملك من حطام الدّنيا شيء. وبالطبع لم يكن هذا الجواب الحاضر لولا تطاول الزمن على الجماهير وهي تئنُّ تحت وطأة الجلاد.
ومن الشواهد التي تؤكد لنا استقرار هذا المرض الإجتماعي في عهد فرعون ما ردّ به الملأ من آل فرعون على دعوة موسى عليه السلام، حين قالوا:’’أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون‘‘(٣). أي(وقومهما من بني إسرائيل لنا عابدون يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون يأتمرون لأمرهم ويدينون لهم)(٤)، فالمانع من الإيمان بهما أنّهما من طبقة دون طبقة الملأ من قوم فرعون وآله، وهي ذات القيم التي تذرَّع بها قوم نوح حين قالوا:’’أنؤمن لك واتبعك الأرذلون‘‘(٥)، أي(الأقلون جاها ومالا)(٦)؛فتلك هي القيم الرخيصة التي يُفرزها المجتمع الطبقي.

(١) الزخرف: ٥٢].
(٢) تفسير الطبري(٢٥/٨٢). وانظر: معاني القرآن(٦/٣٧٠).
(٣) المؤمنون: ٤٧].
(٤) تفسير الطبري(١٨/٢٥). وانظر: فتح القدير(٣/٤٨٥)وزاد المسير(٥/٤٧٥)وتفسير الواحدي(٢/٧٤٨)وتفسير البغوي(٣/٣١٠).
(٥) هود: ١١١].
(٦) تفسير البيضاوي(٤/٢٤٦).


الصفحة التالية
Icon