وحتى يكون المجتمع إنسانيا لا بدّ أن يقوم على أساس من العقيدة والفكر والتصور، وهو الأساس الذي يُميّز الإنسان عن البهيمة والأنعام، أي ممّا يقع قي دائرة القدرة على الاختيار فيحاسب الإنسان حينئذ على اختياره. ولكي يكون إنسانيا لا بدّ من تقرير حقيقة مفادها أنّ النّاس كلهم من نفس واحدة،’’يا أيّها النّاس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‘‘(١)، أي(من هيئة واحدة وشكل واحد)(٢)، تلك الحقيقة التي تُسقط الحدود المصطنعة بين البشر، وتُحطم مفهوم الطبقية من القواعد.
إنّ الإسلام جعل التفاوت بين النّاس بالتقوى، فقال سبحانه:’’إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم‘‘(٣)، هذا الإعلان الذي أسقط فرق اللون والعرق والقوم…وفي الحديث’’يا أيها الناس ألا إنّ ربكم واحد وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى‘‘(٤). وجعل الإسلام العلاقة بين النّاس تسودها المودة والمحبة وأنكر الشحناء والبغض والأحقاد…يقول صلى الله عليه وسلم:’’لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا‘‘(٥).

(١) النساء: ١].
(٢) تفسير القرطبي(٧/٣٣٩).
(٣) الحجرات: ١٣].
(٤) مسند أحمد(٥/٤١١)رقم(٢٣٥٣٦)والمعجم الأوسط(٥/٨٦)رقم(٤٧٤٩)واللفظ لأحمد. قال الهيثمي(رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)وانظر: مجمع الزوائد(٣/٢٦٦).
(٥) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: ومن شر حاسد إذا حسد(٥/٢٢٥٣)رقم(٥٧١٨).


الصفحة التالية
Icon