وليس معنى هذا أنّ النّاس غير متفاوتين، بل هم متفاوتون بطبيعة الخلق والتكوين والمواهب.. يقول تعالى:’’ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا‘‘(١)، أي فاوت بينهم في الخلق والرزق والقوة والبسطة والفضل والعلم والأشكال والألوان.. فخالف الله بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا، وخفض من درجة هذا عن درجة هذا(٢)؛ذلك(ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وينتظم بذلك نظام العالم)(٣)، و(ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره)(٤)، وله الحكمة في ذلك كقوله تعالى:’’نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‘‘(٥)، أي(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ولم نفوض ذلك إليهم، وليس لأحد من العباد أن يتحكم في شيء بل الحكم لله وحده)(٦)، فالمطلوب هو العدل بين النّاس وليس محو الفوارق الطبيعية بينهم، وهي المعادلة التي لا يستطيع القيام بها وجعلها واقعا في حياة النّاس غير الإسلام، وهذا ما لا يسمح به الطاغوت.
رابعا: طغيان المفهوم المادي للحياة

(١) الأنعام: ١٦٥].
(٢) انظر: تفسير الطبري(٨/١١٤)وتفسير القرطبي(٧/١٥٨).
(٣) تفسير البيضاوي(٥/١٤٥)وانظر: تفسير ابن كثير(٤/١٢٨)وتفسير أبي السعود(٨/٤٦).
(٤) تفسير ابن كثير(٢/٢٠١).
(٥) الزخرف: ٣٢].
(٦) فتح القدير(٤/٥٥٤).


الصفحة التالية
Icon