وهوإفراز طبيعي لتلك التصورات التي سادت المجتمع في عهد فرعون، والعلاقة بين النّظام المُطبق وتلك المفاهيم علاقة تبادلية، فالنّظام يُشجع وينشر تلك المفاهيم، وتلك المفاهيم تُساعد على بقاء النّظام، والنتيجة لتلك العلاقة تلاشي المعنى الحقيقي للحياة، وغياب الروابط الإنسانية التي يجب أن تسود أفراد المجتمع، وتختفي الأخلاق والقيم ويتحول المجتمع إلى قطعان بشرية تسوقها الغرائز الحيوانية، ويسود الجشع والطمع والأنانية…تلك هي النتائج الحتمية لانعدام الإيمان بيوم آخر يحاسب فيه النّاس على أعمالهم فإنّ أهداف النّاس وغاياتهم تنحصر في هذه الدنيا، ويزداد الجري وراء تحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة واللذة العاجلة، ويسود مذهب النفعيين والوصوليين، ويصبح المقياس الوحيد في عقول النّاس هو المادة.
ومع ذلك فإنّ الكسب في الدنيا مهما بلغ لا يشبع تطلعات الإنسان، فيبقى في جوع دائم حتى يداهمه الموت، ولذلك كان اليوم الآخر والجزاء في الجنّة التي فيها للصالحين ما يشاؤون وعند الله مزيد. فهل يستطيع فرد مهما بلغ من القدرات أن يحقق في دنياه ما يشاء؟!بالطبع لا يستطيع، وبالتالي يبقى في جري دائم ليس له نهاية أو حد.
لقد مهَّد فرعون السبيل لنفسه، وأوجد الأرضية القابلة لاستقبال مفاهيمه وأفكاره، فها هو فرعون يُخاطب الجماهير المُهيّأة للتجاوب مع أطروحاته، ويضرب على الوتر الحساس الذي تتفاعل معه الحشود المنبهرة بما عنده من زينة وأموال، وذلك في معرض ردّه على موسى عليه السلام، فهو يتوقع مسبقا مدى تأثير ذلك الخطاب على تلك الجماهير، يقول تعالى:’’ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون‘‘(١). وأراد بذلك أن يبهرهم بما عنده من متاع الدنيا الزائل، في ظرف طغت فيه المفاهيم المادية على كل شيء.

(١) الزخرف: ٥١].


الصفحة التالية
Icon