ثمّ يزيدهم في الحجة والبرهان الزائفين بقوله:’’فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين‘‘(١). أي(فهلا أُلقي على موسى إن كان صادقا أنّه رسول رب العالمين أسورة من ذهب)(٢)، فاستخف عقولهم بهذا فأطاعوه، لإنّ من اقتصر نظره على الدنيا لا عقل عنده ولا بصر. ولقد علم فرعون الحقيقة كلها: علم أنّه ليس على شيء، فلا حجة عنده ولا برهان، وعلم-في المقابل-سفاهة من يخاطبهم وشدة تعلقهم بالدنيا، فأراد أن يبهرهم بما ينبهرون به من زخارف الأرض كي لا يُبصروا الحقيقة التي يخشاها؛ذلك أن التعلق بالدنيا يُفقد الإنسان القدرة على استيعاب الحقائق، ويُصاب بقصر النّظر بل وانعدامه.
وليس أدلّ على طغيان المفهوم المادي من موقف السحرة عندما استدعاهم فرعون لمعارضة موسى-عليه السلام- بسحرهم، فكان مطلب السحرة الوحيد والهمّ الغالب هو الأجر،’’فلمّا جاء السحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين‘‘(٣)؛ذلك أنّ طغيان المفهوم المادي قد سيّطر على قلوبهم وعقولهم؛فجعلهم يرغبون في الجمع والمنع والحرص على الدنيا(٤)، ومن هنا نفهم سبب تملق الجماهير المصابة بهذا الداء للحكومة وتزلفها لها، فغايتها نيل المطلوب وهو الدرهم والدينار، فليس هناك غاية أبعد من هذه وأبقى!ثمّ تستغل الحكومة المرض الذي أنشأته، فتقرب طائفة وتستذلّ أخرى، ويشتدّ السباق بين الجماهير لإرضاء وليّ النعمة ومَن في جعبته مال الدّولة. ومن هنا كان هذا المرض أثرا للطاغوت وسببا في بقائه واستمراره.

(١) الزخرف: ٥٣].
(٢) تفسير الطبري(٢٥/٨٢). وانظر: تفسير البيضاوي(٥/١٤٨)وتفسير الثعالبي(٤/١٣٠)وتفسير البغوي(٤/١٤٢).
(٣) الشعراء: ٤١].
(٤) انظر: فيض القدير(٣/٢٦١).


الصفحة التالية
Icon