(إنّ فرعون لم يكن يدّعي الألوهية بمعني أنّه هو خالق هذا الكون ومدبره، أو أنّ له سلطانا في عالم الأسباب الكونية. إنّما كان يدعي الألوهية على شعبه المستذل ! بمعنى أنّه هو حاكم هذا الشعب بشريعته وقوانينه، وأنّه بإرادته وأمره تمضي الشؤون وتقضى الأمور. وهذا ما يدّعيه كل حاكم يحكم بشريعته وقوانينه، وتمضي الشؤون وتقضى الأمور بإرادته وأمره –وهذه هي الربوبية بمعناها اللغوي والواقعي- كذلك لم يكن الناس في مصر يعبدون فرعون بمعنى تقديم الشعائر التعبدية له – فقد كانت لهم آلهتهم وكان لفرعون آلهته التي يعبدها كذلك، كما هو ظاهر من قول الملأ له :’’ويذرك وآلهتك‘‘، وكما يثبت المعروف من تاريخ مصر الفرعونية. إنّما كانوا يعبدونهم بمعنى أنهم خاضعون لما يريدوه بهم، لا يعصون له أمرا، ولا ينقضون له شرعا.. وهذا هو المعنى اللغوي والواقعي والاصطلاحي للعبادة، فأيّما ناس تلقوا التشريع من بشر وأطاعوه فقد عبدوه)(١)، وذلك هو تفسير رسول الله ﷺ لقوله تعالى عن اليهود والنّصاري:’’اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله‘‘(٢)،– عندما سمعها منه عدي بن حاتم – وكان نصرانيا جاء ليسلم – فقال : يا رسول الله ما عبدوهم. فقال له رسول الله ﷺ :’’أمّا إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنّهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرّموا عليهم شيئا حرموه‘‘(٣)

(١) في ظلال القرآن(٣/٣٠٦).
(٢) التوبة: ٣١].
(٣) الترمذي: أبو عيسى، محمد بن عيسى السلمي،(٢٠٩-٢٧٩هـ)، الجامع الصحيح(سنن الترمذي)، ٥أجزاء، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت. كتاب التفسير، باب ومن سورة التوبة(٥/٢٧٨/٢٢٩٦٣). قال أبو عيسى: حديث غريب، وسأشير إليه لاحقا هكذا(سنن الترمذي)، والطبراني: أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب،(٢٦٠- ٣٦٠هـ)، المعجم الكبير، ٢٠جزءا، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، ط٢، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ١٤٠٤ – ١٩٨٣م.(١٧/٩٢/٢١٨)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(المعجم الكبير)، والبخاري: أبو عبدالله، محمد بن إسماعيل الجعفي،(١٩٤- ٢٥٦هـ)، التاريخ الكبير، ٨أجزاء، تحقيق: هاشم الندوي، دار الفكر. كتاب الغين، باب غطيف(٧/١٠٦/٤٧١)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(التاريخ الكبير).


الصفحة التالية
Icon