لقد سلبهم الله ما خولهم من النّعم: فالشكر قيد النعم به تدوم وتبقى وتزداد، فمن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة(١)، يقول تعالى:’’لئن شكرتم لأزيدنّكم‘‘(٢)، وبتركه تُسلب وتتحول، وهؤلاء كفروا نعم الله وعصوا رسله، فأخرجهم الله ممّا كانوا فيه، فكان خروجهم في مطاردة موسى ومن معه خروجا لا عودة منه، يقول تعالى:’’فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل‘‘(٣). ويقول تعالى:’’كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين‘‘(٤).(فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة)(٥)؛ذلك لأنّ خروجهم هذا لا عودة بعده، فقد قضى الله عليهم بالموت غرقا، ليكونوا عبرة لمن خلفهم. يقول تعالى:’’فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنّهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين‘‘(٦)، ويقول تعالى:’’فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا‘‘(٧)، ويقول تعالى:’’فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ وهومليم‘‘(٨).
لقد خرجوا في طلب موسى وهم يظنون أنّهم عليه منتصرون، فإذا هم بعد خروجهم لا يرجعون، ذلك أنّ الله قضى عليهم بالغرق بعد أن حلّت عليهم نقمته جلّ شأنه. ذلك بسبب تكذيبهم وكفرهم بآيات الله والغفلة عنها، يقول تعالى:’’ولقد جاء آل فرعون النّذر، كذبوا بآياتنا فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر‘‘(٩)، ولأنّهم كانوا ظالمين(لأنفسهم بالكفر والمعاصي حيث عرضوها للهلاك، أو واضعين الكفر والتكذيب مكان الإيمان والتصديق ولذلك أصابهم ما أصابهم)(١٠)، كما أنّهم كانوا (ظالمين لغيرهم كما كان يجرى منهم في معاملاتهم للناس بأنواع الظلم)(١١)، فكان مرتع الظلم عليهم وخيما، كما كان اتباعهم لفرعون هلاكا لهم ودمارا.

(١) إتقان ما يحسن من الأخبار(٢/٥١٦).
(٢) ابراهيم: ٧].
(٣) الشعراء: ٥٧-٥٩].
(٤) الدخان: ٢٥-٢٧].
(٥) تفسير ابن كثير(٤/١٤٢).
(٦) الأعراف: ١٣٤].
(٧) الإسراء: ١٠٣].
(٨) الذاريات: ٤٠].
(٩) القمر: ٤١-٤٢].
(١٠) تفسير أبي السعود(٤/٢٩-٣٠).
(١١) فتح القدير(٢/٣١٨).


الصفحة التالية
Icon