فها هي آثار فرعون يجلّيها لنا كتاب الله، حيث نصل إلى المشهد الأخير من فصولها المأساوية، ونحن نرى أتباعه أئمة يدعون إلى النّار وقد حلّت عليهم لعنة الله في الدّنيا ولآخرة، حيث يقول تعالى:’’وجعلناهم أئمة يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامةهم من المقبوحين‘‘(١). أي(وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار. ويوم القيامة لا ينصرهم-إذا عذبهم الله-ناصر، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون فاضمحلت تلك النصرة يومئذ. وقوله:’’وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة‘‘، أي وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيا وغضبا منّا عليهم فختمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السيىء، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة، فمخزوهم بها الخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم)(٢).
عبرة العقوبة والذنب
إنّ حركة التاريخ تبدوا وكأنّها سلسلة من الذنوب التي تتبعها العقوبة على أشكال مختلفة ودرجات في الشدّة متفاوتة، متناسبة مع طبيعة الذنب ومدى قبحه، فهي سنّة جارية وتقرير لعدل الله في معاملته لعباده، ذلك(أنّ الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا، واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره)(٣). يقول تعالى:’’ذلك بأنّ الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‘‘(٤).

(١) القصص: ٤١-٤٢].
(٢) تفسير الطبري(٢٠/٧٩). وانظر: تفسير القرطبي(١٣/٢٩٠)وتفسير ابن كثير(٣/٢٩١)وتفسير ابي السعود(٧/١٥)وتفسير البغوي(٣/٤٤٧)وتفسير النسفي(٣/٢٣٨).
(٣) تقسير الطبري(١٣/١٢١).
(٤) الأنفال: ٥٤].


الصفحة التالية
Icon