كانت أولى الخطوات على هذا الطريق تهيئة الشخصية القيادية القادرة على الوقوف أمام طاغية لم يشهد له التاريخ مثيلا، تُمثل في وقوفها رأس الحربة في مواجهة فرعون، وتتحمّل العبء الأكبر، فمواجهة فرعون الطاغية من أعظم الجهاد، وذلك ما يُرشد إليه جواب رسول الله ﷺ حين سُئل عن أي الجهاد أفضل فقال:’’كلمة عدل ثَمَّ إمام جائر‘‘(١)، ومن هنا ندرك معنى قوله تعالى لموسى عليه السلام:’’ولتصنع على عيني‘‘(٢). أي(تربى وتغذى بمرأى مني لا أكلك إلى غيري)(٣)، وما ذلك إلاّ لتلقي الرّسالة وما فيها من تكاليف.
وكذلك ندرك معنى قوله تعالى:’’واصطنعتك لنفسي‘‘(٤)، أي اصطفيتك واجتبيتك لوحيي ورسالتي، وخلقتك وقويتك وعلمتك لتبلغ عبادي أمري ونهيي، فليس لك من هذه الدنيا شيء. إنّما أنت للمهمة التي اصطنعتك من أجلها، فالتجرد التام من حظ النّفس والذات والإقبال على التضحية ركن أساسي في مواجهة الطواغيت(٥).
ولتحقيق الإعداد والتهيئة كان الإبتلاء، وذلك معنى قوله تعالى:’’وفتنّاك فتونا‘‘(٦)، أي(وابتليناك ابتلاء، أو أنواعا من الإبتلاء على أنّه جمع فتن أو فتنة، فخلصناك مرة بعد أخرى، وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن والمشي راجلا على حذر وفَقْدِ الزاد وتأجير نفسه)(٧)، وهي كلها تجارب ضرورية لتهيأة الشخصية القادرة على المواجهة.

(١) مسند أحمد(٥/٢٥٦)رقم(٢٢٢٦١)وشعب الإيمان(٦/٩٣)رقم(٧٥٨٢). وانظر: سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل ثم سلطان جائر،(٤/٤٧١)رقم(٢١٧٤)، قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي أمامة وهذا حديث حسن غريب.
(٢) طه: ٣٩].
(٣) البيان في تفسير غريب القرآن(١/٢٨٧). وانظر: تفسير الطبري(١٦/١٦٢)وتفسير ابن كثير(٣/١٤٨).
(٤) طه: ٤١].
(٥) انظر: تفسير الطبري(١٦/١٦٨)وتفسير القرطبي(١١/١٩٨)وتفسير ابن كثير(٣/١٥٤).
(٦) طه: ٤٠].
(٧) تفسير البيضاوي(٤/٥١)مع بعض التصرف. وانظر: تفسير أبي السعود(٦/١٦).


الصفحة التالية
Icon