(العزُّ خلاف الذل.. والعزّة الرفعة والإمتناع)(١)، فالنّفس العزيزة هي النّفس الممتنعة على الطاغوت والرافضة للتطبيع والخنوع والذُلّ والمهانة(٢)، وهي التي لا غنى عنها في مواجهة الطاغوت، لا تلك النّفوس التي تتعايش مع الواقع الذي يُنشؤه الطاغوت، ومن ثمّ ينحصر دورها في البحث الدائم عن حياة رخيصة في الهامش المتاح لها من قبل الطاغوت، بل وربما تتجنب فعل أي شيء قد يؤدي للصدام معه، وربما قامت بدور المُثبِّط للثائرين عليه.
لقد كان أول ظهور عملي للشخصية العزيزة المتمثلة بموسى على شكل ردة فعل منه عليه السلام على عدوان القبطي أول مرة ثم ردة فعله في الثانية-حتى كاد أن يبطش به-دليلا على رفضه للذل والمهانة؛ذلك أنّ الشخصية العزيزة هي(التي لا تقبل الذل والإهانة، وهي التي تقابل فرعون وتقف في وجهه، لا تلك النفوس التي ألفت رؤية الطغيان يبطش وهم لايتحركون، حتى وهموا أنّ هذا هو الأصل، وأنّ هذا هو الفضل، وأنّ هذا هو الأدب، وأنّ هذا هو الخلق!وأنّ هذا هو الصلاح!فإذا رأوا مظلوما يدفع الظلم عن نفسه، فيُحطم السياج الذي أقامه الطغيان لحماية الأوضاع التي يقوم عليها…إذا رأوا مظلوما يهب لتحطيم ذلك السياج المصطنع الباطل ولولوا ودهشوا، وسمّوا هذا المظلوم الذي يدفع الظلم سفاكا، أو جبارا، وصبوا عليه لومهم ونقمتهم. ولم ينل الظالم الطاغي من نقمتهم ولومهم إلاّ القليل!ولم يجدوا للمظلوم عذرا-حتى على فرض تهوره-من ضيقه بالظلم الثقيل!)(٣).

(١) لسان العرب، مادة: عزز(٥/٣٧٤).
(٢) العز حالة مانعة للإنسان من أن يغلب والعزة قد يمدح بها كقوله:’’ولله العزة ولرسوله‘‘. وقد يذم بها كعزة الكفار’’بل الذين كفروا في عزة‘‘، والعزة التي لله ورسوله والمؤمنين هي العزة الحقيقية الدائمة الباقية، وعزة الكفار هي التعزز وهو في الحقيقة ذل)التعاريف(٥١٢-٥١٣).
(٣) في ظلال القرآن(٦/٣٣٢-٣٣٣).


الصفحة التالية
Icon