(المروءة كمال الرجوليّة)(١)، وهي(قوة للنفس مبدأ لصدور الأفعال الجميلة منها المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وعرفا، وقيل: أداة نفسانية يحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف ثَمَّ محاسن الأخلاق وجميل العادات)(٢)؛فالمروءة تحمل صاحبها على إغاثة المنكوبين ورفع الظلم عن المستضعفين. ولقد تمثّل كمال المروءة في شخص نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك بشهادة السيدة خديجة رضي الله عنها حين قالت له صلى الله عليه وسلم:’’والله لا يخزيك الله أبدا. إنّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق‘‘(٣)، فأين أصحاب المروءة في هذا الزمن الذي علت فيه صيحات الثكالى واليتامى من المسلمين؟أين نحن من قوله تعالى:’’وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنّساء والولدان‘‘(٤)، أي(ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء)(٥).
إنّ مجرد رؤية موسى عليه السلام لامرأتين تذودان حرّك في نفسه مشاعر النّجدة والنّخوة والرجولة، يقول تعالى:’’ولما ورد ماء مدين وجد علية امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان‘‘(٦). أي(تكفكفان غنمهما أن ترد غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، فلمّا رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما)(٧)وهو(مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة، كنفس موسى عليه السلام، حين وجد الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء، ووجد هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء. والأولى عند ذوى المروءة والفطرة السليمة، أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامها أولا، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما)(٨).

(١) لسان العرب، مادة: مرأ(١/١٥٥).
(٢) التعاريف(٦٥٠-٦٥١).
(٣) الخصائص الكبرى(١/١٥٦). وانظر: أعلام النبوة(١/٣١١)والسيرة الحلبية(١/٣٩١).
(٤) النساء: ٧٥].
(٥) زاد المسير(٢/١٣٢). وانظر: معاني القرآن(٢/١٣٣)وتفسير الواحدي(١/٢٧٥).
(٦) القصص: ٢٣].
(٧) تفسير ابن كثير(٣/٣٨٤).
(٨) في ظلال القرآن(٦/٣٣٥).


الصفحة التالية
Icon