أراد الله أن يكون المُكلَّف في مواجهة فرعون قويا قادرا على تنفيذ ما أُمر به، أمينا مؤد للتكليف؛فالقوة والأمانة صفتان متلازمتان لحمل الدعوة والتكليف، فالأمين الضعيف عاجز يُقْعِدُه العجز عن المواجهة والتحدي، ولهذا كان’’المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف‘‘(١). فالتكاليف الشرعية شاقة تحتاج إلى أخذها بقوة وخصوصا عند مَن يكون في مركز القيادة، وهو معنى قوله تعالى:’’يا يحيى خذ الكتاب بقوة‘‘(٢)، أي بجد وحرص واجتهاد، وذلك بالعمل به والتزام أوامره والكف عن نواهيه(٣). فأَمرُ الدّين جدّ لا الهزل فيه، يقول تعالى:’’إنّه لقول فصل وما هو بالهزل‘‘(٤)، أي(فاصل بين الحق والباطل مبالغ في ذلك كأنه نفس الفصل، وما هو بالهزل، بل كله جد محض لا هوادة فيه)(٥).
وأمّا القوة بلا أمانة فطامة كبرى ومصيبة عظمى، ويكفي دلالة على ذلك أنّ إضاعة الأمانة من علامات الساعه، يقول صلى الله عليه وسلم’’إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها قال إذا وُسِّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة‘‘(٦).

(١) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والإستعانة بالله وتفويض المقادير لله(٤/٢٠٥٢)رقم(٢٦٦٤).
(٢) مريم: ١٢].
(٣) انظر: تفسير القرطبي(١١/٨٦)وتفسير ابن كثير(٣/١١٤).
(٤) الطارق: ١٣-١٤].
(٥) تفسير ابي السعود(٩/١٤٢)مع بعض التصرف. وانظر: تفسير البيضاوي(٥/٤٧٧)وفتح القدير(٥/٤٢١).
(٦) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل،(١/٣٣)رقم(٥٩).


الصفحة التالية
Icon