ورفع القرآن من شأن الأمانة فقال سبحانه:’’إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها‘‘(١)، والمعنى(إنها لعظمية شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها وأشفقن منها)(٢). فالأمانة عظيمة وهي في كلّ شيء مطلوبة، وهي أعم من العهد، وكل عهد فهو أمانة، بل هي تعم جميع وظائف الدّين(٣).
ولحكمة بالغة أرادها الله لُقَّب رسول الله ﷺ عند أهل الجاهلية الأولى بالأمين، لأنّ الله سبحانه(قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية، ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل حتى لم يعرف بين قومه إلا بالأمين لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى إنّه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعه، ثمّ اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: جاء الأمين فرضوا به)(٤)؛ذلك أنّ قلوب النّاس تهفوا نحو الفضيلة، فالإنسان بفطرته يتطلع إليها، ويعلم أنّها فضيلة وإن لم يكن هو صاحبها.

(١) الأحزاب: ٧٢].
(٢) تفسير البيضاوي(٤/٣٨٨).
(٣) انظر: تفسير القرطبي(١٢/١٠٧).
(٤) ابن كثير: أبو الفداء، إسماعيل بن عمر الدمشقي،(٧٠١-٧٧٤هـ)، الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، جزء واحد، تحقيق: محمد العيد الخطراوي، محيي الدين مستو، ط١، مؤسسة علوم القرآن، دار القلم، بيروت، ١٣٩٩هـ.(٨٣)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(الفصول).


الصفحة التالية
Icon