لهذا كله كانت شخصية موسى عليه السلام صلبة خشنة، فبعد أن شاهدناه مُرفَّها في القصور ها نحن نراه(وحيدا مطاردا في الطرق الصحراوية في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز. مسافات، وأبعاد مترامية، لا زاد ولا استعداد.. إنّه في قلب المخافة بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية والطراءة والنّعمى. ونجده وحيدا مجردا من قوى الأرض الظاهرة جميعا، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلا)(١).
ونرى موسى عليه السلام وهو في طريق عودته بعدما قضى الأجل قد(اشتاق إلى أهله، فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختف، فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها مدة مقامه قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة وتاهوا في طريقهم، فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يوري شيئا، واشتد الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارا تأجج في جانب الطور، وهو الجبل الغربي منه عن يمينه، فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا-وكأنه-والله أعلم-رآها دونهم، لأنّ هذه النار هي نور في الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد-لعلي آتيكم منها بخبر، أي لعلي أستعلم من عندها عن الطريق، أو جذوة من النار لعلكم تصطلون)(٢)، يقول تعالى:’’إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون‘‘(٣)، فدل هذا على وجود الظلام وعلى كونهم تاهوا عن الطريق.

(١) في ظلال القرآن(٦/٣٣٥)مع بعض التصرف.
(٢) البداية والنّهاية(١/٢٤٦-٢٤٧).
(٣) النمل: ٧].


الصفحة التالية
Icon