ولمّا كان البيان خطوة أولى ذات أهمية قصوى سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل أن يحلل عقدة من لسانه تعينه على البلاغ،’’واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي‘‘(١)،(أي يعلموا ما أقوله لهم ويفهموه، والفقه في كلام العرب الفهم)(٢)، وذلك لأنّه كانت في لسانه عجمه. وذلك معنى قوله:’’ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل الى هارون‘‘(٣)، أي ولا ينطلق لساني في المحاجة على ما أحب، فأرسل إلى هارون ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني.(وفي هذا دليل على أنّ من لا يستقل بأمر ويخاف من نفسه تقصيرا أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم)(٤)، لأنّ الغاية هي البيان وليس التفرد فيه، بل إنّ الواقع اليوم يحتاج إلى تعاون كبير في البيان والتبليغ.
من هنا كانت نقطة البدء عند موسى عليه السلام-في مرحلة المباشرة والتنفيذ-بيان قاعدة رسالتهما:’’إنّا رسولا ربك‘‘(٥)،(ليشعر منذ اللحظة الأولى بأنّ هناك إلها هو ربه. وهورب كل الناس. فليس هو إلها خاصا بموسى وهارون أو ببني إسرائيل، كما كان سائدا في خرافات الوثنية يومذاك أنّ لكل قوم إلها أو آلهة، ولكل قبيل إلها أو آلهة. أو كما سائدا في بعض العصور من أن فرعون مصر اله يعبد فيها لأنّه من نسل الآلهة)(٦). يجب توضيح الأساس الذي تقوم عليه الدعوة مهما كلّف هذا من ثمن عظيم، لأنّه الأصل الذي يُبنى عليه كل شيء بعده، ولأنّه يُنقذ النّاس من الحيرة وعدم الفهم، وحتى تكون النّاس على بيّنة من أول الأمر. وسنعاني كثيرا إذا لم نبيّن للجماهير أصل دعوتنا ومنبع فكرنا، وسنجد بعد كل محاولة أنّ ثغرة كبيرة تحول بين النّاس وبيننا.

(١) طه: ٢٧-٢٨].
(٢) تفسير القرطبي(١١/١٩٣).
(٣) الشعراء: ١٣].
(٤) تفسير القرطبي(١٣/٩٢).
(٥) طه: ٤٧].
(٦) في ظلال القرآن(٥/٤٧٦).


الصفحة التالية
Icon