ومن هنا-أيضا-نفهم قوله تعالى لسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم:’’فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك‘‘(١). أي(فبرحمة من الله لنت لهم أي سهلت لهم أخلاقك وكثرة احتمالك ولم تسرع إليهم بالغضب، ولو كنت فظا يعني جافيا سيء الخلق قليل الاحتمال، غليظ القلب لانفضوا من حولك أي نفروا وتفرقوا عنك)(٢)، فالقليل من العطف على أخطاء النّاس وهفواتهم، وعدم تتبع عوراتهم وزلاّتهم تقرّب المسافة بيننا وبينهم، وليس هذا تملق أو تزييف للحقيقة بل إيصالها بوجه حسن وأسلوب يرفع قابلية النّاس لاستقبال دعوتنا إلى الله سبحانه.
وهكذا جعل لين الجانب من مظاهر رحمة الله على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشبه ذلك قوله تعالى:’’لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم‘‘(٣). ممّا(يدل على وجوب استعمال اللين والرفق وترك الفظاظة والغلظة في الدعاء إلى الله تعالى)(٤)، كما في قوله تعالى:’’أُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن‘‘(٥).

(١) آل عمران: ١٥٩].
(٢) تفسير البغوي(١/٣٦٥)مع بعض التصرف. وانظر: تفسير النسفي(١/١٨٨)والدر المنثور(٢/٣٥٨)ومعاني القرآن(١/٥٠٠)وتفسير الثعالبي(١/٣٢٦)وتفسير الجلالين(١/٨٩).
(٣) التوبة: ١٢٨].
(٤) أحكام القرآن للجصاص(٢/٣٢٩).
(٥) النحل: ١٢٥].


الصفحة التالية
Icon