ولمّا كان لين القول ليس على حساب الحقيقة زاد موسى عليه السلام في بيانه، فقال:’’إنّا قد أوحي إلينا أنّ العذاب على من كذب وتولى‘‘(١)، أي أنّ العذاب على من كذّب الرسل وتولى عن الإيمان؛ذلك(أنّ القوة والحسم في إلقاء كلمة الحق في العقيدة، لا يعني الخشونة والفظاظة؛فقد أَمر الله رسوله ﷺ أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة-وليس هنالك تعارض ولا اختلاف بين التوجيهات القرآنية المتعددة-والحكمة والموعظة الحسنة لا تجافيان الحسم والفصل في بيان كلمة الحق. فالوسيلة والطريقة إلى التبليغ شيء غير مادة التبليغ وموضوعه. والمطلوب هو عدم المداهنة في بيان كلمة الحق كاملة في العقيدة، وعدم اللقاء في منتصف الطريق في الحقيقة ذاتها. فالحقيقة الاعتقادية ليس فيها أنصاف حلول)(٢)، وهكذا نفهم لين القول لا كما يفهمه بعض المهزومين أمام ضغط الجاهلية والعلمانية والطاغوت.
ثمّ يجب أن ندرك أنّ هذا الخطاب وهذه النبرة كانت في بداية المواجهة مع فرعون، ولكنّه حين أصر على الكفر وهدد وأرعد واتهم موسى بالباطل ردّ عليه موسى عليه السلام بقوله:’’وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا‘‘(٣)، والظنّ هنا بمعنى التحقيق(٤)، أي(إني لأظنك يا فرعون ملعونا ممنوعا من الخير)(٥)، فلا يجب أن نفهم من لين القول في بداية الدعوة والمواجهة أنّه لن تكون هناك مخاشنة إذا اقتضت الأمور، بل إنّ من الضعف أن نواجه صلف الطاغوت بلين نُخفي وراءه ضعف القدرة عن قول كلمة الحق!
ثانيا: القدره على التعامل مع المواقف المختلفة والمستجدة وسرعة البديهة وروح المبادرة

(١) طه: ٤٨].
(٢) في ظلال القرآن(٢/٨٠٥).
(٣) الإسراء: ١٠٢].
(٤) انظر: تفسير القرطبي(١٠/٣٣٧).
(٥) تفسير الطبري(١٥/١٧٥).


الصفحة التالية
Icon