لن تنتهي الأمور بهذا الحد من البيان؛فليس قيام الدعاة بعرض دعوتهم بالبيان الشافي والكافي لها، وبذل كلّ جهد مستطاع في إيصال حقائقها نهاية المطاف، فالطاغوت سيحاور ويناور ولن يُقر بالحق بسهولة، وسيحاول دفع الحق بكل وسيلة مستخدما كل مكره ودهائه، ممّا يتطلب وجود مهارات وقدرات خاصة للردّ عليه. وهذا ما سنعرضه من خلال تعامل موسى عليه السلام مع مواقف فرعون المختلفة بما يُثبت ضرورة القدرة على التعامل مع المواقف المستحدثة. ولن نُسهب كثيرا بتعداد الردود بل يكفي منها ما يدلّ على تلك القدرة والبراعة التي يجب أن نُوفرها في الدعاة إلى الله.
موسى عليه السلام يُدير الحوار بنباهة واقتدار
فبعد ما أتياه وقالا له ما أُمرا به(١). قال فرعون: فمن ربكما يا موسى؟و(لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى:’’إنّا رسولا ربك‘‘(٢)، وقوله تعالى:’’قد جئناك بآية من ربك‘‘(٣)، لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل أضافه إليهما)(٤). قال موسى: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثمّ هدى’’(٥)أي(الذي أعطى كل شيء من الأنواع خلقه صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له، أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به.. أي أعطى كل مخلوق ما يصلحه. ثمّ عرّفه كيف يرتفق بما أُعطي، وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختيارا أو طبعا. وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها، ودلالته على أنّ الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى، وأنّ جميع ماعداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله)(٦).
(٢) طه: ٤٧].
(٣) طه: ٤٧].
(٤) تفسير أبي السعود(٦/١٩).
(٥) طه: ٤٩-٥٠].
(٦) تفسير البيضاوي(٤/٥٤)مع بعض التصرف.