والاستكبار لا يكون إلاّ بغير حق؛ذلك أنّه لم يكن عند فرعون حجة يدفع بها ما جاء به موسى، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات (١)، فهو محض امتناع عن قبول الحق تكبرا مع وضوح الحجة وقيام البرهان، وهو ما صبغ شخصية فرعون. ممّا يؤكد حقيقة مفادها أنّ الإستكبار علامة يقينية على إفلاس المستكبر في الحجة والبرهان، ويترتب على هذا أنّ مواجهة الطاغوت لا تكفيها إقامة الحجة والدليل وحسب، لأنّه قد قام الدليل وسطع البرهان. يقول تعالى:’’ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم يجهلون‘‘(٢)، فلو نزّل الله إليهم الملائكة حتى يروها عيانا، وكلمهم الموتى وأخبروهم أنك محق فيما تقول، وأن ما جئتهم به حق من عند الله. ولو حشر الله عليهم كل شيء قبلا ما آمنوا ولا صدقوا ولا اتبعوا، إلاّ أن يشاء الله، ولكنّ أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة، ويحسبون أنّ الإيمان إليهم والكفر بأيديهم متى شاءوا آمنوا ومتى شاءوا كفروا(٣).

(١) انظر: الشوكاني: محمد بن علي بن محمد،(١١٧٣- ١٢٥٠هـ)، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، ٥أجزاء، دار الفكر، بيروت.(٤/١٧٤)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(فتح القدير)، وتفسير القرطبي(١٣/٢٨٩)وتفسير الطبري(٢٠/٧٨)وأبو السعود: محمد بن محمد العمادي،(ت٩٥١)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، ٩أجزاء، دار إحياء التراث العربي، بيروت.(٧/١٤)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(تفسير ابي السعود)، وزاد المسير(٦/٢٢٣)وتفسير النسفي(٣/٢٣٨).
(٢) الأنعام: ١١١].
(٣) انظر: تفسير الطبري(٨/١).


الصفحة التالية
Icon