والاستكبار جهل، إذ لو أدرك المستكبر حقيقة نفسه لما اقتحم ما ليس له بحق، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:’’وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين‘‘(١). والشاهد في الآية قوله تعالى:’’في الأرض‘‘، فهو( إشارة إلى قلة عقولهم، لأنّ من في الأرض لا ينبغي له أن يستكبر)(٢)، ولو كان عند فرعون أدنى ذرة من عقل لما استكبر، وهكذا كل من نهج طريقه وسلك سبيله فإنه لا عقل عنده وإن ادعى ذلك، لأنّ أدنى تدبر لمعاني الحياة وما فيها من عبر تجعل الإنسان يدرك أنّ التكبر والإستكبار رذيلة لا ينبغي أن تكون، ولكنّها الغفلة عن الحقائق التي تنتج عن قلوب لا تعقل وآذان لا تسمع وأعين لا تُبصر.
لقد كان فرعون أول الممتنعين عن قبول الحق، وأول الداعين إلى رفضه وعدم قبوله ترفعا وتكبرا وتعظّما عن الإيمان بالله وعبادته، وكان من الآثمين الخاطئين(٣)، يقول تعالى:’’ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين، فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون، فكذبوهما فكانوا من المهلكين‘‘(٤).
ولقد تضمنت هذه الآيات الإشارة إلى كبر فرعون وملئه بشقيه:
الأول: الإمتناع عن قبول الحق بعد الآيات والسلطان المبين كراهية منهم للحق، لأنّه يخالف شهواتهم وأهواءهم ومصالحهم(٥)، يقول تعالى:’’بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون‘‘(٦)؛فهو ينسف قيمهم الباطلة التي عليها يقتاتون وبها يعيشون، لأنّ الحق لا يدور مع الهوى، وسيأتي بيان هذه النقطة لاحقا.

(١) العنكبوت: ٣٩]
(٢) روح المعاني(٢٠/١٥٨).
(٣) انظر: تفسير الطبري(١١/١٤٥)وتفسير البغوي(٣/٣١٠)وزاد المسير(٥/٤٧٥)وتفسير النسفي(٣/١٢٣).
(٤) المؤمنون: ٤٥-٤٨].
(٥) انظر: تفسير البيضاوي(٤/١٦٢).
(٦) المؤمنون: ٧٠].


الصفحة التالية
Icon