الثاني: احتقار الناس، وهذا جليّ من قولهم:’’وقومهما لنا عابدون‘‘(مسخرون خاضعون. وهي أدعى-في إعتبار فرعون وملئه-إلى الاستهانة بموسى وهارون!فأمّا آيات الله التي معهما، وسلطانه الذي بأيديهما، فكل هذا لا إيقاع له في تلك القلوب المطموسة)(١)، والسبب في تلك الانتكاسة نابع من إعجاب المستكبر بنفسه، فيرى نفسه أكبر من غيره، وتلك هي العلة الكامنة من وراء قول الملأ من قريش:’’لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‘‘(٢)، ويقصدون بذلك سادة القبائل في مكة والطائف، ممّن لهم الجاه والسلطان.
إنّ الكبر(٣)داء خطير أفرز شخصية تسلطية رافضة للحق والحقيقة، لذلك توجه موسى عليه السلام إلى ربه ملتجئا ومستعيذا به جلّ شأنه(من كل متكبر عليه، تكبر عن توحيده والإقرار بألوهيته وطاعته)(٤).’’وقال موسى اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب‘‘(٥). أي من كل(متعظم عن الإيمان بالله غير مؤمن بالبعث والنشور، ويدخل فرعون في هذا العموم دخولا أوليا) (٦). وقال: من كل متكبر(لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر الاستكبار عن الاذعان للحق، وهو أقبح استكبار وأدلّ على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه)(٧).

(١) في ظلال القرآن(٦/٣١).
(٢) الزخرف: ٣١].
(٣) ومن الكبر الخيلاء، حيث ورد في الحديث، أنّ النبي ﷺ قال:’’بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة‘‘صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم،(٣/١٢٨٥)رقم(٣٢٩٧). إذا كان هذا في جرّ إزار فكيف بمن ادعىأنّه رب يعبد؟!
(٤) تفسير الطبري(٢٤/٥٧).
(٥) غافر: ٢٧].
(٦) فتح القدير(٤/٤٨٨)، وانظر: زاد المسير(٧/٢١٦).
(٧) تفسير النسفي(٤/٧٢)، وانظر: روح المعاني(٢٤/٦٣).


الصفحة التالية
Icon