ودلّ هذا على ثقل العبء الذي ألقي على كاهل موسى عليه السلام في مواجهته لشخصية مستكبرة متكبرة، حتى دعته طبيعة المواجهة إلى هذه الإستعاذة الواضحة’’من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب‘‘(١)، إذ لو كان يؤمن بيوم يُحاسب النّاس فيه، ويُحشرون حفاة عراة لما سولت له نفسه فعل ما لا ينبغي له فعله.
امتناع فرعون عن قبول الحق رغم قيام الحجة والبرهان دليل على استكباره
فكما أنّ القرآن الكريم نص على استكبار فرعون فإنّه-أيضا-أظهر هذه الحقيقة بإسلوب آخر، وهو امتناع فرعون عن قبول الحق بعد قيام الحجة والدليل، أي بعد إدراكه وعلمه بصدق موسى عليه السلام، وذلك بالآيات العديدة التي أوتي موسى عليه السلام والتي لا تدع مجالا للشك والريبة بل هي آيات تثمر العلم واليقين. ولكن وبعد كلّ هذه الآيات امتنع فرعون عن قبول الحق، وكفى بهذا دليل على استكباره. يقول تعالى:’’ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات الى النور‘‘(٢). ويقول تعالى:’’ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب‘‘(٣)، وعليه لم تكن عثرة فرعون في قصور الحجة والبرهان،’’فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‘‘(٤)، وإنّما مرض الكبر قد استقر في قلبه الآثم، فأورثه العمى والتيه، وذلك أنّ فرعون جاءته البينات والبراهين والحجج فأعرض استكبارا لا جهلا، ولا ريب أنّ( أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تَبَيُّنِها ويَتَعَظَّمُوا عن قبولها)(٥)كما هو حال فرعون، حيث سوّلت له نفسه المستكبرة عن الحق أن

(١) غافر: ٢٧].
(٢) ابراهيم: ٥].
(٣) غافر: ٢٤].
(٤) الحج: ٤٦].
(٥) تفسير النسفي(٢/١٣٧)وانظر: الزمخشري: أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد،(٤٦٧-٥٣٨هـ)الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ٤أجزاء، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ١٤١٥هـ، ١٩٩٥م.(٢/٣٤٨)وسأشير إليه لاحقا هكذا(الكشاف).


الصفحة التالية
Icon