والشاهد على إفراط فرعون في استكباره أنّ هذه الآيات لم تكن جملة واحدة بل على فترات زمنية، فإنّ توالي المعجزات مرّة بعد مرّة أبلغ في الإعجاز من نزولها مرّة واحدة؛فآيتي العصا واليد كانت في أول مواجهة مع فرعون أي وقت تبليغ الرسالة، ثّم تلتها معجزة الإنتصار على السحرة، وبعدها كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. يقول تعالى:’’فأراه الآية الكبرى‘‘(١). أي: فأراه المعجزة الكبرى، حيث أظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية ودليلا واضحا على صدق ماجاء به من عند الله، وهي قلب العصا حية فإنّه كان المقدّم والأصل، ولكنّ فرعون كذَّب موسى عليه السلام وعصى الله عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر. وهذا يعني أنّ عِلْمَ فرعون للحق الذي جاء به موسى لا يلزم منه أنّه مؤمن به، لأنّ المعرفة علم القلب والإيمان عمله وهو الانقياد للحق والخضوع له (٢)، وبهذا يزول الإشكال عند من يجول بخاطره: كيف يمتنع فرعون عن الإيمان بعد علمه وتحققه من الأمر؟!وهو نفس السؤال الذي يُراود بعض الدعاة إلى الله حينما يُواجهون نوعيات من البشر مشابهة لشخصية فرعون، فيتعجبون من عدم إيمانهم مع حصول العلم لديهم، وما ذلك إلاّ بسبب استكبارهم أي امتناعهم عن الانصياع لأمر الله مع قيام الدليل وظهور الحجة.

(١) النّازعات: ٢٠].
(٢) انظر: تفسير البيضاوي(٥/٤٤٧)وتفسير ابن كثير(٤/٤٦٩)وتفسير الطبري(٣٠/٣٩)وفتح القدير(٥/٣٧٦)وزاد المسير(٩/٢١)والكشاف(٢/٦٧٠).


الصفحة التالية
Icon