إنّ علم فرعون بمن أنزل المعجزات والآيات-كما نص القرآن على ذلك-ثمّ هو يستكبر ويصرّ على الكفر إصرارا دليل بيّن على إفراطه في الإستكبار. يقول تعالى –حكاية لقول موسى عليه السلام لفرعون:’’قال لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر‘‘(١). يعني(الآيات التسع و’’أنزل‘‘بمعنى أوجد’’إلا رب السموات والأرض بصائر‘‘أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته، وإنما أضاف موسى إلى فرعون العلمَ بهذه المعجزات لأنّ فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله، وأنّ مثل ما فعل لايتهيأ لساحر، وأنّه لايقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السموات والأرض )(٢)، فهي بصائر ودلالات يُستدل بها على الفاعل المختار،’’وربك يخلق ما يشاء ويختار‘‘(٣).
لقد مثّل فرعون أعتى حالات الاستكبار التي يُمكن لنا أن نتصورها، وذلك هو ما نفهمه من قوله تعالى:’’ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى‘‘(٤)، أي حجج الله الدالة على توحيده، وهو لم ير كل آيات الله لأنّها لا تحصى، والمعنى أنّ ما رآه من الآيات يساوي في قيام الحجة رؤية الآيات كلّها، ولكنّه كذب وقال هذا سحر، وأبى أن يقبل الحق استكبارا وعتوا، وهذا يدل على أنّه كفر عنادا لأنّه رأى الآيات عيانا لا خبرا (٥).
رفضه معجزة الإنتصار العظيم على السحرة دلالة أخرى على استكبار فرعون

(١) الإسراء: ١٠٢].
(٢) تفسير القرطبي(١٠/٣٣٦-٣٣٧).
(٣) القصص: ٦٨].
(٤) طه: ٥٦].
(٥) انظر: تفسير الطبري(١٦/١٧٥)وتفسير ابن كثير(٣/١٥٧)وفتح القدير(٣/٣٧٠)وزاد المسير(٥/٢٩٤)وتفسير القرطبي(١١/٢١١).


الصفحة التالية
Icon