وإنّما أفردناها تحت عنوان خاص بها لعظيم وقعها في نفس من شاهدها، وذلك بسبب الظروف والملابسات التي أحاطت بها، ممّا جعلها من أعظم الأدلّة الساطعة على نبوة موسى عليه السلام، وهي-في المقابل-من الأدلة الدّامغة على استكبار فرعون، لأنّ كلّ معجزة يجريها الله سبحانه على يد موسى عليه السلام يقابلها فرعون بالرفض والامتناع تكون دليلا آخر على استكباره.
لقد بالغ فرعون-لعنه الله-في بذل كلّ جهد مستطاع لكسب تلك المباراة، وحشد كلّ ما لديه من القدرات والإمكانيّات، ونادى في النّاس للإجتماع والحضور في مكان وزمان مناسبين لرؤية الأحداث بوضوح، وكان مع هذا الجهد من رأس النّظام حرصُ السحرة على الفوز والغلبة لأسباب كثيرة. كلّ هذا وغيره جعلت من تلك المباراة معجزة عظيمة ودليلا على (مكابرته الحق بالباطل حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة النّاس كلهم، وغلب كل الغلب، شرع في المكابرة والبهت وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة فتهددهم وتوعدهم)(١).
ولنا أن نتابع بعض اللقطات من تلك المباراة الكبيرة لنعلم عظم وقعها على نفس من شاهدها؛ذلك أنّ فرعون لم يدَّخر وسعا للتحضير لها، فبعث في المدائن حاشرين ليأتوه بكل ساحر عليم. وجاءت تلك الجموع من السحرة مُلَبِّيَة لنداء فرعون ناظرة إلى اغتنام تلك الفرصة لتحقيق الأمنيات عند السلطان. ولهذا قال بعضهم لبعض’’وقد أفلح اليوم من استعلى‘‘(٢). أي(قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره)(٣)، وفي قولهم هذا دليل على أهمية تلك المباراة بالنسبة إليهم. فاجتمع عند السحرة القدرة الفائقة على السحر والرغبة الجامحة والحرص المبالغ فيه على الفوز.

(١) تفسير ابن كثير(٣/١٥٩).
(٢) طه: ٦٤].
(٣) تفسير الطبري(١٦/١٨٤).


الصفحة التالية
Icon