وأنت تلحظ هنا أنّ هذه الكلمة اقترنت مع فرعون في مواطن عدة، لذلك كان لا بدّ من أن يكون لها دلالة. وإذا ما تأملنا تلك النّصوص نجد أنّ فرعون في شخصيتة المتعالية يرى في نفسه أنّه فوق مستوى البشر، ومن هذه النّظرة الفوقية المنحرفة بغى فرعون وطغى وظلم واعتدى وتعظم وتكبر وتجبر في الأرض، وجاوز الحدود المعهودة في الظلم والعدوان، وافتخر بنفسه ونسي العبودية في الأرض، وادعى الربوبية لنفسه، وصار غالبا قاهرا متطاولا على الله، مترفعا عن عبادته، عاليا على من تحت يده في الأرض (١)، قائلا بلسان الحال والمقال: من أشدّ منّي قوة!
ويبرز الاستعلاء بأبشع صِوَرِهِ في حياة فرعون حين حشر’’فنادى فقال أنا ربكم الأعلى‘‘(٢)، وهذه أشدُّ حالات الإستعلاء البشري حيث أدت إلى استضعاف الآخرين واستخفافهم وإذلالهم للتمكن منهم. وإلى هذه الحالة المَرَضية تعود طائفة كبيرة من المصائب والمحن والابتلاءات التي يعاني منها البشر قديما وحديثا.

(١) انظر: تفسير القرطبي(٨/٣٧٠، ١٣/٢٤٨)وتفسير النسفي(٢/١٣٨، ٣/١٣٨، ٢٢٦)وتفسير أبي السعود(٤/١٧١، ٧/٢)والسيوطي: أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن الكمال(٨٤٩-٩١١هـ)، وجلال الدين محمد بن أحمد، تفسير الجلالين، ط١، دار الحديث، القاهرة.(١/٢٧٩). وسأشير إليه لاحقا هكذا(تفسير الجلالين)، والواحدي: أبو الحسن، علي بن أحمد،(ت٤٦٨)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، جزءان، تجقيق: صفوان عدنان داوودي، ط١، دار القلم، الدار الشامية، دمشق، بيروت، ١٤١٥هـ.(١/٥٠٦). وسأشير إليه لاحقا هكذا(تفسير الواحدي)، وابن الجوزي: أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد،(٥٠٨ –٥٩٧هـ)، تذكرة الأريب في تفسير الغريب، جزء واحد، المكتب الإسلامي، بيروت، ١٤٠٤هـ.(٢٤٠)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(تذكرة الأريب في تفسير الغريب).
(٢) النّازعات: ٢٤].


الصفحة التالية
Icon